لم تكد تمر أيام قليلة على إعلان تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة فايز الطراونة، إلا وظهرت مؤشرات جديدة حول أن الأزمة السياسية في المملكة في طريقها للتصعيد أكثر وأكثر، خاصة في ظل اتهامات المعارضة لرئيس الوزراء الجديد بمعاداة الإصلاح و"العمالة" لإسرائيل. وكانت حكومة الطراونة أدت في 2 مايو اليمين الدستورية أمام الملك عبد الله الثاني، خلفا لحكومة عون الخصاونة التي تمت إقالتها في 26 إبريل الماضي بعد خلافات علنية مع الملك. وغلب على تشكيل الحكومة الجديدة الصفة اليمينية المحافظة لقيادة مرحلة مؤقتة لا تتعدى الشهرين تقر بموجبها قوانين الإصلاح وأهمها قانون الانتخاب وحل مجلس النواب، تمهيدا لقدوم حكومة أخرى تجري الانتخابات التي حدد موعدها الملك عبد الله في نهاية هذا العام، حيث ينص الدستور الأردني على أن تستقيل الحكومة التي تحل البرلمان بعد أسبوع على الأكثر من تاريخ الحل، ولا يحق لها إجراء الانتخابات. ورغم أن الملك عبد الله أعلن أن مهمة الحكومة الجديدة هي إنجاز قوانين الإصلاح، إلا أن تصريحات الطراونة رجحت عكس ذلك، حيث استفز الحراك الشعبي بشدة عندما أعلن فور تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة في 27 إبريل الماضي أن قانون الصوت الواحد الذي جرت عليه الانتخابات السابقة ليس مستبعدا، رغم انتقاد المعارضة بشدة لهذا القانون وتحميله مسئولية تزوير الانتخابات السابقة. ولم يكتف بما سبق، بل إنه أعلن أيضا أنه لو عاد به الزمن لشارك في مفاوضات وادي عربة مرة أخرى، وذلك في إشارة إلى اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية التي وقعت في 26 أكتوبر 1994 وشارك الطراونة في مفاوضات إبرامها. وبالنظر إلى أن المعارضة الأردنية كانت اعترضت منذ البداية على تكليف الطراونة على خلفية نهجه المحافظ المعادي للإصلاح وتجربته السابقة في السلطة، فقد جاءت تصريحاته السابقة لتضاعف الغضب الشعبي أكثر وأكثر ضد النظام، بل وأكد حزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن أن التغيير قادم إلى المملكة لا محالة. وكان الطراونة عمل وزيرا للتموين في حكومة زيد الرفاعي عام 1989 والتي ثارت ضدها محافظات الجنوب الأردني، ثم ما لبثت أن امتدت الثورة إلى أنحاء البلاد في احتجاجات دموية عرفت باسم "هبة نيسان" وانتهت بعودة الأردن إلى استئناف التجربة التعددية أو ما عرف بالتحول الديمقراطي. ورغم أن الطراونة تولى حينها رئاسة الحكومة خلفا لحكومة زيد الرفاعي التي أقالها الملك الراحل الحسين بن طلال بعد "هبة نيسان" عام 1989، إلا أنه لم يستمر سوى شهور قليلة واستقال من منصبه. ويبدو أن الشعارات التي تخللت مظاهرات 4 مايو في أنحاء الأردن ضد حكومة الطراونة الجديدة تؤكد أنه لا فرصة أمامها لإضعاف الحراك الشعبي أو إنجاز أي شيء. وكانت مظاهرات حاشدة خرجت في أنحاء المملكة عقب صلاة الجمعة في 4 مايو تحت شعار "جمعة رفض نهج وادي عربة" لمطالبة الطراونة وحكومته بالرحيل، وردد المتظاهرون هتافات منها "يا طراونة باي باي.. لحق عون على لاهاي"، "كل هذا الشعب يقول الطراونة مش مقبول"، "لا لحكومات العمالة والخيانة"، "لا لحكومة وادي عربة". وهاجمت المسيرات بشدة دور الطراونة في التفاوض على معاهدة السلام مع إسرائيل، كما هاجمت مديحه لمعاهدة وادي عربة وتصريحه قبل أيام بأنه سيعود للتفاوض لو عاد به الزمن للوراء. ورفع المتظاهرون لافتات كتب على بعضها "المكتوب باين من عنوانه: النظام لا يريد الإصلاح"، كما اتهم المشاركون في المظاهرات التي خرجت في العاصمة عمان والطفيلة ومعان في الجنوب الطراونة بأنه كان له دور ب "بيع" أراضي منطقة الباقورة شمال الأردن خلال مفاوضات وادي عربة من خلال عقد تأجير يمتد لتسعين عاما، حيث روجت الحكومة حينها لهذا العقد باعتباره "تحريرا" للباقورة من الاحتلال الإسرائيلي، بينما رأت فيه المعارضة بيعا لأراض أردنية ظلت تحت السيادة الإسرائيلية. وهتف المتظاهرون في المسيرات"يا طراونة اسأل عون.. شعب الأردن ما بخون"، و"اللي باع الباقورة.. ببيع الكرك والكورة"، "لا لحكومات التعيين الكربونية منتهية الصلاحية"، كما أحرقوا الأعلام الأمريكية والإسرائيلية. وقال القيادي في الائتلاف الشبابي والشعبي للتغيير فاخر دعاس خلال مظاهرة في العاصمة عمان إن مسيرات 4 مايو شعارها رفض نهج وادي عربة الذي تمثله الحكومة الحالية برئيسها وفريقها، مضيفا "الحكومة التي يتباهى رئيسها بأنه من عرابي وادي عربة، وبأنه باع أراضي الباقورة لإسرائيل مطلوب إسقاطها كونها تمثل نهج وادي عربة وهو نهج تبعية سياسيا واقتصاديا لأمريكا وصندوق النقد الدولي". كما انتقد المراقب السابق لجماعة الإخوان المسلمين سالم الفلاحات في كلمة له أمام اعتصام نظمته الحركة الإسلامية في وسط العاصمة عمان ما وصفها بمراهنات النظام على أوضاع خارجية لإفشال الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح. وطالب الفلاحات الملك بأن لا يستمع "لبطانات السوء"، وخاطبه قائلا:" لا يغرينكم تعطل المشروع الإصلاحي في اليمن، ولا يغرنكم من يقول إن هذه سحابة صيف ستنقشع". وجدد الفلاحات وهو قيادي في حزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في الأردن، التأكيد على أن التغيير قادم إلى المملكة. وتابع" التغيير قادم إلى المملكة كوضوح الشمس، ربيع الأردن سيكون مزهراً، فلا تستمعوا لبطانة السوء، هذا الربيع وإن كانت أعشابه قليلة وشجيراته محدودة، لكنها منظورة ومرتقبة". كما هاجم الفلاحات من سماهم ب"الضمائر الميتة"، وقال إنها تعمل على تيئيس الناس من الإصلاح، مؤكداً أن أكبر عشيرة في الأردن هي عشيرة الإصلاح. ورغم محاولة الملك عبد الله إظهار أنه استجاب لنداءات الشارع بإقالة حكومة الخصاونة عندما تباطأت في الإصلاح، إلا أن كثيرين في الأردن يحملون نظام الحكم وتزايد نفوذ المخابرات العامة مسئولية تدهور الأوضاع في المملكة، حيث لوح الخصاونة بالاستقالة مرتين من قبل بسبب تدخل مدير المخابرات فيصل الشوبكي في صلاحياته. بل وهناك من اتهم الملك أيضا بأنه انحاز للرؤية الأمنية التي تمثلها دائرة المخابرات العامة على حساب دعوات الإصلاح السياسي، خاصة بعد أن تجاوز الحراك الشعبي مؤخرا الخطوط الحمراء فيما يتعلق بانتقاده. وبصفة عامة، يحذر كثيرون من أنه كلما تأخر الإصلاح في الأردن سيكون الثمن الذي سيدفعه النظام أكبر.