ما إن حذرت إسرائيل من "عمليات إرهابية" محتملة ضد اليهود في تونس، إلا وأكد كثيرون أن هذا الأمر غير بعيد عن المخطط الصهيوني الذي يسعى ليل نهار لإفشال الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من هذا البلد المغاربي. وكانت هيئة مكافحة "الإرهاب" في إسرائيل زعمت في بيان لها في 3 مايو أنها حصلت على معلومات تشير إلى استعدادات لشن عمليات "إرهابية" في تونس ضد أهداف في جزيرة جربة التي تستعد لإقامة احتفالات يهودية في كنيس الغريبة اليهودي يومي 9 و10 مايو. وشددت الهيئة التابعة لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على ضرورة امتناع الإسرائيليين عن السفر إلى جزيرة جربة التونسية، قائلة:" يعتبر مستوى التهديد هناك عاليا جدا". وعلى الفور، نفت وزارة الداخلية التونسية المزاعم الإسرائيلية السابقة، قائلة في بيان تلقت فرانس برس نسخة منه :"تنفي وزارة الداخلية ما راج من مزاعم حول استعدادات لشن عمليات إرهابية في تونس". وتابعت "الأمن مستتب في كامل البلاد بفضل جهود قوات الأمن الداخلي والجيش الوطني، وهو ما هيأ الظروف الملائمة لتوافد السياح على مختلف المواقع السياحية بتونس بأعداد كبيرة". وأضافت الوزارة أنها اتخذت كافة الاحتياطات والتدابير اللازمة لتأمين الاحتفالات اليهودية السنوية بكنيس الغريبة في جزيرة جربة في جنوبتونس، والذي يعتبر أقدم معبد يهودي خارج القدسالمحتلة وكان تعرض في 11 إبريل 2002 لهجوم انتحاري بشاحنة مفخخة تبناه تنظيم القاعدة وخلف 21 قتيلا "14 سائحا ألمانيا و5 تونسيين وفرنسيين اثنين". ورحل قسم كبير من اليهود الذين كان عددهم حوالي مائة ألف نسمة عند استقلال تونس عام 1956 للإقامة خصوصا في فرنسا وإسرائيل، ويعيش في تونس حاليا 1500 يهودي يقيم أغلبهم في جزيرة جربة الواقعة على بعد 500 كم جنوب شرق تونس العاصمة، كما أنه لا تزال هناك بعض العائلات اليهودية تعيش في منطقة حلق الوادي السياحية الواقعة بالضاحية الشمالية للعاصمة. ولا تقيم إسرائيل وتونس علاقات دبلوماسية ولكن البلدين فتحا مكتبين لرعاية المصالح في العام 1996، ثم أقفل المكتبان في أكتوبر 2000 بمبادرة من تونس، احتجاجا على قمع إسرائيل الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وبالنظر إلى أن نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية سيلفان شالوم كان دعا أيضا في 10 ديسمبر من العام الماضي اليهود التونسيين للذهاب إلى إسرائيل والاستقرار فيها، فقد أكد كثيرون أن الكيان الصهيوني لن يتوانى عن فعل كل ما بوسعه لتأليب العالم ضد وصول الإسلاميين للسلطة في دول الربيع العربي. فمعروف أن إسرائيل اتخذت منذ البداية موقفا معاديا للثورة التونسية لأنها كانت تعي جيدا أن نجاحها سيكون نموذجاً جذاباً للشعوب العربية الأخرى، التي تعاني الاستبداد والظلم والفساد، وبالفعل تحقق ما كانت تخشاه، بل ووصل الإسلاميون للسلطة في دول "الربيع العربي" أيضا، الأمر الذي زاد من قلقها وسعت بكل ما أوتيت من قوة لإفشال ثورة تونس باعتبارها مقياس نجاح التغيرات المتسارعة في المنطقة العربية. ويبدو أن قادة تونس على وعي كامل بأبعاد المخطط الصهيوني، ولذا سارع حزب النهضة- الذي يحظى بغالبية مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، لوصف دعوة شالوم بأنها مشبوهة، قائلا في بيان له في 10 ديسمبر2011: "إن أبناء الطائفة اليهودية في تونس يعتبرون مواطنين كاملي الحقوق والواجبات، وإن تونس اليوم وغدا دولة ديمقراطية تحترم وترعى أبناءها مهما كانت دياناتهم". ويبدو أن محاولات إسرائيل لتحريض يهود تونس على الهجرة إليها لن تجد آذانا صاغية، حيث أن من تبقى منهم بعد موجة من الهجرات تمت في عقد الستينيات من القرن الماضي ويبلغ عددهم حوالي 1500 شخص متمسكون بالعيش في بلادهم، ولا يوجد أي فوارق بينهم وبقية التونسيين العاديين سواء من حيث اللهجة أو السلوكيات اليومية العادية. وجاء إقرار مشروع الدستور المؤقت المكون من 26 فصلا في 11 ديسمبر ليضاعف من تفاؤلهم بمستقبل أفضل لهم في بلدهم، حيث ضمن الحريات لجميع مواطني تونس. وبصفة عامة، فإن تونس التي فجرت شرارة ثورات الربيع العربي لن تسمح لإسرائيل بثنيها عن المضي قدما في مسيرة البناء والتنمية بعد عقود من ديكتاتورية الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.