لم تكد تمر أسابيع على إجراء انتخابات المجلس التأسيسي في تونس ، إلا وسارعت إسرائيل وكعادتها للاصطياد في المياه العكرة عبر تحريض اليهود فيها على الهجرة لتل أبيب . ففي 10 ديسمبر، دعا نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية سيلفان شالوم اليهود التونسيين للذهاب إلى إسرائيل والاستقرار فيها، وعلى الفور، قوبلت الدعوة ، التي أطلقها شالوم خلال احتفال أقيم في القدسالمحتلة لإحياء ذكرى اليهود التونسيين ضحايا "المحرقة النازية"، بعاصفة استياء في تونس. فقد وصف حزب حركة النهضة- الذي يحظى بغالبية مقاعد المجلس الوطني التأسيسي - دعوة شالوم بأنها مشبوهة، قائلا في بيان له في 10 ديسمبر:"إن أبناء الطائفة اليهودية في تونس يعتبرون مواطنين كاملي الحقوق والواجبات، وإن تونس اليوم وغدا دولة ديمقراطية تحترم وترعى أبناءها مهما كانت دياناتهم". كما وصف رئيس الجالية اليهودية بتونس روجي بيسموث في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية تصريحات شالوم بأنها زوبعة في فنجان ومساعٍ من بعض الأطراف لوضع العِصي في مسار تونس بعد تخلصها من الديكتاتورية. وأكد بيسموث أنه لا دخل لأي أجنبي في الشؤون التونسية بما فيها شئون الجالية اليهودية -الموجودة في تونس منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة- والتي تحب بلادها وستبقى فيها. وفي السياق ذاته ، قال جاكوب لولوش اليهودي التونسي الوحيد الذي ترشح لانتخابات المجلس التأسيسي التي جرت يوم 23 أكتوبر الماضي، إن الأقلية اليهودية ساهمت بروح عالية في الثورة التونسية. وأضاف في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أنه يدعو على الدوام لاحترام حقوق الأقليات في تونس وينادي بمشاركة فاعلة للأقليات الأخرى على غرار المسيحيين والأمازيغ في مختلف المحطات السياسية المقبلة لأنهم أبناء تونس لهم نفس حقوق التونسيين في بلدهم. واعتبر لولوش أن تونس وفرت لهم العيش الكريم وهو لا يشعر أبدا أنه غريب عن هذه الأرض الطيبة، ولا طائل من إعادة موضوع هجرة اليهود التونسيين من بلدهم الذي قد لا يجدون في الدنيا أفضل منه. وتابع "على الجميع أن يتذكروا أن الثورة التونسية لم يقم بها حزب سياسي بعينه أو اتجاه وحده بل كانت ثورة كل الناس دون استثناء ومن بينهم اليهود الذين لا يرون بلدا غير تونس". ودعا إلى ضمان الحقوق المدنية والحريات العامة وحقوق المرأة والإسراع في إيجاد حلول عاجلة للمشاكل الاجتماعية المتراكمة منذ 14 يناير الماضي. وحول إمكانية ترشحه من جديد خلال المحطات السياسية المقبلة على غرار الانتخابات البلدية والانتخابات البرلمانية ، قال لولوش إن ذلك وارد بعد ما لاحظه من قبول حسن لدى عامة التونسيين الذين عاملوه على أساس أنه تونسي ينتمي لأرض تونس قبل أن ينظر له على أساس عرقي أو أنه من أصول يهودية. وأضاف أن اليهود "توانسة" وقد مكنهم الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق من التمثيل في مجلس النواب "البرلمان" عن طريق التعيين ولكنهم اليوم يريدون الوصول عبر صناديق الاقتراع. وكان جاكوب لولوش الذي يعيش بمنطقة حلق الوادي بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة ترشح ضمن قائمة الاتحاد الشعبي الجمهوري "حزب تأسس بعد الثورة"، ولم يتمكن الحزب ككل من الفوز بأي مقعد في المجلس التأسيسي . ويجمع كثيرون أن محاولات إسرائيل لتحريض يهود تونس على الهجرة إليها لن تجد آذانا صاغية ، فمعروف أن من تبقى منهم بعد موجة من الهجرات تمت في عقد الستينات من القرن الماضي ويبلغ عددهم حوالي 1500 شخص متمسكون بالعيش في بلادهم ، ولا يوجد أي فوارق بينهم وبين بقية التونسيين العاديين سواء من حيث اللهجة أو السلوكيات اليومية العادية. ويوجد معظم اليهود في جزيرة جربة الواقعة على بعد 500 كلم جنوب شرق تونس العاصمة ، كما أنه لا تزال هناك بعض العائلات اليهودية تعيش في منطقة حلق الوادي السياحية الواقعة بالضاحية الشمالية للعاصمة. وجاء إقرار مشروع الدستور المؤقت المكون من 26 فصلا في 11 ديسمبر ليضاعف من تفاؤلهم بمستقبل أفضل لهم في بلدهم ، حيث ضمن الحريات لجميع مواطني تونس. وبصفة عامة ، فإن تونس التي فجرت شرارة ثورات الربيع العربي وجهت رسالة تحذير لإسرائيل مفادها أن مساعيها لإثارة القلاقل فيها لن تثنيها عن المضي قدما في مسيرة البناء والتنمية بعد عقود من ديكتاتورية الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.