لم أكن ممن اندهشوا وفوجئوا بتزكية حزب النور والدعوة السلفية للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، بل كنت أتوقع هذا القرار، وأراه - وحده - الأنسب للوطن وللدعوة السلفية: 1 – للوطن:- أ - ذلك أن مصر – حقاً – أكبر من أن ينفرد بها رأى واحد أو فصيل واحد؛ لتنوع ألوان الطيف السياسى بها، وتعددية الرؤى والأطروحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهى كالطائر لا بد له من رأس وجناحين متوازنين للتحليق، فإن حدث تضخم فى الرأس أو أحد الجناحين على حساب بقية الأجزاء (وهذا ما كان سيحدث لو تم تدعيم د. مرسى)، لما استطاعت مصر الإقلاع فضلاً عن التحليق، فمن ذا يريد تعليق الأجراس كلها فى عنقه – وحده؟! ب – تحتاج مصر فى هذه المرحلة لتفكيك منظومة القهر والتقييد والتضييق التى ورثناها عن أنظمة الجور - والتى ما زلنا نئن تحتها - وليس الدخول تحت عباءة واحدة جديدة، حتى لو كانت عباءة من لا نتهمهم فى ذمة ولا نية، وإنما السلطة المفردة مفسدة مطلقة، ذلك كله يدفع نحو اختيار شخص مناسب ذى مرجعية إسلامية لا يدين بالولاء لمكتب الإرشاد، ولكن للوطن كله، فيعمل على تفكيك القيود، وإشعار الناس بالتغيير الحقيقى فى أنفسهم، وحياتهم، وبعد خروج "حازم صلاح أبو إسماعيل" لم يكن بدًا من أبو الفتوح. ج - مصر - فى ظل رئاسة إخوانية – وفى ظل طريقة تفكير الإخوان فى فترة ما بعد 25 يناير – من الممكن أن تكون عرضة لحالة من التشوش وعدم وضوح الرؤية كتلك التى سيطرت على الإخوان طوال الفترة السابقة؛ مما ينتج عنه نتائج كارثية فيما يتعلق بدور مصر العربى والدولى، ومصالحها الإقليمية. ولذلك كان من مصلحة الوطن – بغض النظر عن الحسابات السياسية – ألا يتم دعم ترشيح المرشح الإخوانى. 2 - حزب النور والدعوة السلفية:- أ- لا يُجحد دور السلفيين السياسى والاجتماعى فى المعادلة المصرية – خاصة بعد النتائج الكبيرة التى حققوها فى الانتخابات البرلمانية السابقة مما جعلهم ثانى أكبر كتلة برلمانية، وهو ما يكشف بوضوح عن تواجد وتأثير كبيرين فى الحياة المصرية، ويكشف – أيضاً – عن أن الإخوان لم يعودوا يحتكرون الصوت السياسى للإسلاميين – وإن كانوا يحاولون جاهدين احتواء التيار السلفى داخل عباءة الإخوان، وقد ظهر هذا خلال الأداء البرلمانى لحزب النور والمواقف السياسية العامة التى ما لبثت فى مؤخراً أن شهدت تطورًا كبيراً تمثل فى التمايز الملحوظ فى المواقف البرلمانية (رفض بيان الحكومة مع بقائها – قانون المحاكمات العسكرية ورغبة النور بإعادة المداولة فيه بعدما تم إقراره على عجل – على وفق ما جاء من المجلس العسكرى ووافق عليه الإخوان). ب – إذاً، نحن أمام قوة سياسية تبحث عن نفسها، بما لا يخل بمصالح الوطن، وتحاول أن تكون رقماً فى المعادلة بدلاً من أن تكون تابعاً وفضلة. ج - فى الفترة الأخيرة، بدا استحواذ الإخوان على المشهد السياسى، وانسياق حزب النور معهم بدا مثيراً للقلق عند قواعد السلفيين الذين هم بحسب التصنيف الإخوانى مبتدئين فى السياسة وعليهم أن يتعلموا من الإخوان – وما شاب ذلك من نظرة استعلائية أحياناً – وأبوية أحياناً -؛ مما جعل السلفيين، ومن بعدهم جاءت الجماعة الإسلامية – تكسر هذه المعادلة وتخرج عن هذا القالب، وهو قرار – لا شك – كبير، وفارق، ومؤثر، ومحدد لأسلوب التعامل فى المرحلة القادمة، وسينعكس سريعاً على الأداء السياسى العام. وبالإجمال فإن مثل هذا القرار يصب فى المصلحة الحزبية الفئوية للسلفيين، ولكنه – وهو الأهم – يدعم البناء السياسى العام والمصلحة العليا للوطن من ناحية أنه ولأول مرة يُوجد معارضة سياسية ذات قوة معتبرة من داخل التيار الإسلامى العام، ويكسر احتكار العمل السياسى الإسلامى على الإخوان فقط، وهو فى ذات الوقت رسالة بالغة القوة للمجتمع أن حالة الاستقطاب الحاد بين ما هو إسلامى وغير إسلامى لن تلبث طويلاً إذا ما استمر هذا الجدل البناء بين السلفيين ومن معهم والإخوان ومن معهم ينأى بالمجتمع عن تلك القسمة غير الصحية بين إسلامى / علمانى. ظهور معارضة قوية من داخل التيار الإسلامى هو وحده الكفيل بترشيد وضبط إيقاع الحركة السياسية بعيداً عن الغلو والشطط والتفريط والإفراط، وهذا ما نأمل أن يقوم به غير الإخوان من الإسلاميين فى البرلمان فى المرحلة القادمة – إن شاء الله - .