من أهم مقاييس النجاح فى الحياة الاجتماعية الرشيدة التى تقود إلى النهضة، هو أن نقاوم الشر فى نفوسنا وأن نقاومه خارجها، وهنا يأتى السؤال الهام: ما هو أهم شر يجب أن نقاومه فى نفوسنا وأهم شر يجب أن نقاومه فيمن حولنا؟... إن أهم شر يجب أن نقاومه فى نفوسنا وفى نفوس من حولنا هو غفلة الفكر عن حسن الإدراك. والغفلة تعنى عدم التفكير فى شئوننا وشئون من حولنا، وأن نترك الفوضى والسلبية تنتشر فى حياتنا ونحن لا ندرى، وأن لا يعرف المرء الخير من الشر ولا الصواب من الخطأ ولا الحق من الباطل ولا الصديق من العدو، فيقول لكل أحد أنه معه دون أن يدرى لماذا هو معه؟.. وهذا هو "الإمعة"، وهى صفة أو خلق ذميم نهت عنه الشريعة الإسلامية، حيث يقول النبى (ص): "لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا ألا تظلموا"، والإمعة فى لغتنا: هو من يقول لكل أحد أنا معك، وذلك لضعف رأيه، والواضح أنه لم يبذل جهده لمعرفة حقائق الأشياء والأشخاص والمؤسسات إن عدم وضوح الرؤية أمام شعوب دول الربيع العربى قد تجعلهم ينتخبون رموز نظم الفساد والتى تم هدمها ليكونوا فى مراكز الحكم مرة أخرى ليعيدوا مسلسل إنتاج وتوزيع وزراعة الفساد. والغافل هنا هو من تموت مشاعره ووجدانه فلا يتفاعل مع الواقع؛ فلا يفرح للحسن ولا يغضب للقبيح ولا يبتهج لانتصار الحق وانكسار الباطل ولا يتألم من انتشار الرذيلة وانحسار الفضيلة، وهذا هو "ميت الأحياء" الذى حدثنا عنه حذيفة بن اليمان حين قال: "أتدرون من ميت الأحياء؟، من لا يعرف قلبه معروفًا ولا ينكر قلبه منكرًا". إن الغفلة قد تكون هى التقليد الأعمى للآخر، أما أن تأخذ من الآخر ما يفيدك ولا يتعارض مع ثقافتك، فهذا جائز شرعًا. والغفلة أيضًا قد تكون هى ترك المشاورة وعدم الاستماع للرأى الآخر، حيث يقود الغرور والإعجاب بالرأى إلى الاستبداد فلا شورى ولا حوار، وهذا يقود إلى الهلاك، لقول النبى – ص-: "ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متبع وإعجاب كل ذى رأى برأيه"، حيث إن الغافل لا يستفيد برأى خصمه فيه ولا يستمع لنصيحة الآخرين لأنه يظن دائمًا فى نفسه الصواب فلا يراجعها ولايحاسبها. أما العقلاء – أهل اليقظة والوعى - فهم يحاسبون أنفسهم، كما جاء فى الحديث النبوى: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله"، ومعنى دان نفسه أى حاسبها. قد يكون عند الإنسان يقظة تمكنه من الحرص على تنفيذ العمل، ولكنه يغفل عن تجويده وتحسينه، على الرغم من أن كليهما مهم فى أى عمل، كما جاء فى الحديث: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". إن الغافلين يريدون النجاح بدون دفع الثمن، حيث يريدون حياتهم كلها راحة من غير تعب, ورفاهية من غير مشقة، على الرغم من أن العقلاء يجمعون على أن العبور إلى النجاح فى الحياة لا يتم إلا بالمرور فوق جسر من التعب والألم لأن تحقيق الأهداف والآمال يحتاج إلى إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف مع التضحية بالراحة والرفاهية، فما ألذ الراحة بعد التعب والأكل بعد الجوع والرفاهية بعد المشقة... أما الغافلون فيريدون الحياة راحة كلها ولا تعب فيها، سعادة كلها بلا مشقة، ناعمة لا خشونة فيها... وهذا لا يكون إلا فى الجنة وليس هذا فى الدنيا ولا يمكن الوصول إليها إلا بالإيمان والعمل الصالح وجهاد النفس والهوى حتى تنطلق النفس من الغفلة إلى اليقظة ثم إلى العمل والجهاد والتضحية بالنفس والمال، من أجل أن يشعر الناس بإنسانيتهم وكرامتهم وسعادتهم، فلا خير فى من عاش لنفسه، فالسعادة الحقيقية هى أن تعطى وتبذل لا أن تأخذ وتكنز.