لكل ثورة ثورة مضادة، هذه قاعدة من الثوابت التى يتعين تأملها والوقوف أمامها ودراسة تداعياتها بدقة، ذلك أن الثوار دائمًا هم فصيل من الشعب – قل أم كثر – يطمحون إلى تغيير صورة الحياة فى المجتمع إلى الأفضل، فى مواجهة فصيل آخر، من ذات الشعب، يرى أن من الصالح إبقاء الحال على ما هو عليه، ومن هنا يبدأ الصراع بين الطرفين، فدائما هناك طرفان، ولا يتصور أبدًا أن يكون عدد الثوار فى ثورة ما يمثلون نسبة مائة فى المائة من الشعب، إذ ينتفى الداعى إلى قيام ثورة فى هذه الحالة، وما دام هناك طرفان تتعارض رؤاهم ومصالحهم فإن الصراع بينهما يكون حتميا، ولن يستتب الأمر للثوار فى أى ثورة قبل أن يقوموا بإنهاء ذلك الصراع لصالحهم، فعلى الثوار قبل أن يشرعوا فى وضع تصوراتهم للمستقبل أن يبدأوا أولا بحسم معركتهم مع الماضى، وهذا ما ينقص الثورة المصرية، التى حاولت الانطلاق إلى المستقبل قبل أن تحسم الصراع مع الفلول، والحسم قد يكون من خلال صراع دموى مسلح، كما قد يكون من خلال تفاهمات وتوافقات سياسية بين الطرفين، وقد جنب الله برحمته الواسعة بلادنا حتى الآن من الصراع الدموى المسلح، فهل يغتنم الثوار فى مصر هذه الفرصة السانحة لحسم الصراع من خلال التوافقات والتفاهمات السياسية، والتوافق المقصود هنا ليس التوافق بين الفصائل الثورية فهذه مسألة مفروغ منها، ولكن التوافق الذى نعنيه، هو ذلك التوافق والتفاهم الذى يتعين الوصول إليه بين قوى الثورة من جهة وبين القوى، التى تسمى بالفلول من جهة أخرى من أجل حسم هذا الصراع وإنهائه، ولن تتحرك مصر خطوة واحدة للأمام قبل التوصل إلى هذا التوافق.. يبدو أن الثوار قد أخطأوا حين اعتقدوا أن مجرد نجاح ثورتهم يكفى للانطلاق نحو مشاريعهم المستقبلية، ويبدو أنهم أخطأوا كذلك حين اعتقدوا أنهم وحدهم الموجودون على الساحة، فى حين أنه من المعلوم أن قطاعات كبيرة من أجهزة الدولة مازالت تنتمى إلى النظام السابق وأن عددًا من محافظات مصر وقفت من الثورة موقف المتفرج، أدرك تمامًا أن هؤلاء الفلول قلة قليلة بالنسبة للشعب المصرى، ولكن هذه القلة مؤثرة وتقدر بعدة ملايين من البشر فماذا سنفعل بهم، إما أن نقاتلهم – لا قدر الله – وإما أن نتفاهم معهم على التواجد الآمن معنا فى المجتمع الجديد بشروط هذا المجتمع الجديد، الكل يتعجب من الأزمات المتوالية، التى يضعها الفلول فى طريق الثورة، مع أن الطفل الذى يفتقد اهتمام والديه يعمد إلى الصراخ والعويل وإلى تكسير ما تصل إليه يداه من أجل أن يلفت الأنظار إليه، فهل ننعم عليهم بنظرة اهتمام من أجل أن نرفع الألغام من طريق ثورتنا ولنأخذ بأيديهم معنا إلى المستقبل، ألم يكن التفاهم والتوافق دائمًا هو طريق النجاح للثورة، فحينما أصبحت القوى السياسية يدًا واحدة اندلعت الثورة، وحينما ارتفع الشعار "الجيش والشعب أيد واحدة"، تمت حماية الثورة، وحينما علا الشعار "مسلم مسيحى أيد واحدة" نجحت الثورة، فهل آن لنا أن نرفع شعار "الثوار والفلول أيد واحدة"، لو حدث ذلك سنكتب الدستور بكل سهولة، وستتشكل حكومة الأغلبية بلا معوقات، وستنتهى جميع الأزمات التى تواجه المجتمع، وسيتم تسليم السلطة بلا تأجيل ليبدأ مشوار النهضة فى مصر. [email protected]