استكثرت علينا السيدة الوزيرة فايزة أبو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولى، أن نفرح بقرار منع تصدير الغاز لإسرائيل، وأن نشعر بأن الحكومة تقف فى خندقنا ولديها نفس الأشواق، التى لدينا نحو العزة والكرامة والوطنية فبعد ساعات قلائل من فرحة الشعب بقرار منع الغاز لإسرائيل خرجت الوزيرة بتصريح صادم قالت فيه إن الحكومة مستعدة لإعادة تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار جديدة وفق عقد وشروط جديدة. لم تكتمل فرحتنا ولم تدم طويلا حالة النشوة الوطنية التى عشناها وتصورنا فيها حكومة الإنقاذ يمكن أن تعبر عنا وتستجيب لنبضنا وأنها خططت ودبرت لكى تخرج القرار الصعب فى ثوب مقبول دوليا لكن تصريح السيدة الوزيرة ردنا إلى الحقيقة المرة. ربما يكون من ضرورات السياسة أن تصر الحكومة على أن قرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل يستند إلى أسباب تجارية بحتة حتى تنزع فتيل التوتر مع إسرائيل ولا تستفز صقورها الجارحة وتقطع عليها طريق التحكيم الدولى والحصول على تعويضات، وربما يكون الأمر فى حقيقته على هذا النحو فعلا لكن الواقع الذى لا مراء فيه أن منع تصدير الغاز لإسرائيل قرار سياسى وطنى بامتياز سواء أدرك الذين أصدروه ذلك أم لا. هو قرار طال انتظاره منذ أن تنحى الفرعون فى 11 فبراير 2011م، وقد جاء الآن متأخرا كثيرا.. وكان يجب على الحكومة والمجلس العسكرى اتخاذه قبل عام على أقل تقدير استجابة لإرادة الشعب الذى يشعر دائما بالعار والمهانة عندما يرى العدو الصهيونى يستمتع بغازه، بينما المصريون أنفسهم يبحثون عن أنبوبة البوتاجاز فلا يجدونها. فرحنا فعلا بالقرار فى زمن عز فيه أن تصدر قرارات من الحكومة تدخل علينا الفرحة.. وفرح أشقاؤنا وأحبابنا وأصدقاؤنا.. فقد تخلصنا أخيرًا من التبعية لأمريكا وإسرائيل أو على الأقل نحن فى سبيلنا للانعتاق من هذه التبعية.. وجاء أول رد فعل من حماس يقول إنها تعتبر قرار منع تصدير الغاز لإسرائيل قرارًا صائبًا ينسجم مع رغبة وتطلعات الشعب المصرى ويؤكد دور مصر الوطنى والقومى الرائد فى دعم القضايا العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية. ووسط هذه الفرحة الوطنية النادرة جاء تصريح الوزيرة فايزة أبوالنجا ليطفئ الأنوار ويلقى علينا ماء باردا.. ويعيدنا إلى الواقع الأليم الذى لافكاك منه.. ويذكرنا بأن حكومة الإنقاذ ليست حكومة الثورة وليست مؤهلة للتعبير عنها. ومما زاد همنا وغمنا أن التصريحات الرسمية التى خرجت من مصر أثناء الساعات القليلة بعد قرار منع تصدير الغاز كانت هزيلة ومرتعشة ومتهافتة فى مواجهة التصريحات النارية التى أطلقها صقور إسرائيل وحمائمها وفيها كثير من التهديد والوعيد بشكل مباشر وصريح. الاستثناء الوحيد فى هذا الصدد كان ما أعلنه المشير محمد حسين طنطاوى، خلال المرحلة الرئيسية من المناورة التكتيكية بالذخيرة الحية للجيش الثانى الميدانى، حيث أكد أن حدود مصر ملتهبة بصفة مستمرة.. لكن نحن لا نعتدى على أحد من البلاد المحيطة، بل ندفع عن حدودنا، وإذا اقترب أحد منها سنكسر رجله وستظل قواتنا جاهزة دائما. وكان لابد أن تصدر هذه الرسالة قوية وواضحة ومحدودة للرد على الاستفزازات الإسرائيلية، التى صدرت عقب قرار منع تصدير الغاز.. والتى تعكس الهوس الإسرائيلى بالقوة.. فقد صرح وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان بأن إقدام مصر على إلغاء اتفاقية الغاز إشارة لا تبشر بالخير، وأن إسرائيل تتابع التطورات فى مصر بشكل متواصل. وقال وزير الدفاع إيهود باراك إن إسرائيل أقوى دولة فى منطقة الشرق الأوسط، ويمكنها مواجهة أى عدو قريبًا كان أو بعيدا بفضل الشبان المستعدين لخوض القتال دفاعًا عن سيادة إسرائيل ومستقبلها. ودعا وزير الطاقة عوزى لاندو مصر إلى العدول عن قرارها الذى يضر باتفاق السلام الهش بين البلدين.. وقال وزير المالية يوفال شتاينتس، إننى أنظر وبخطورة بالغة حيال القرار المصرى.. فهذه الخطوة سابقة خطيرة تهدد اتفاقية السلام بين البلدين. وذهب رئيس الأركان الجنرال بينى جانتس إلى التهديد المباشر بالحرب فى قوله إنه فى حال تحول مصر إلى دولة عدو بعد سنوات طويلة من السلام فإن جنود الجيش الإسرائيلى مستعدون.. أما عضو الكنيست اليمينى ميخائيل بن آرى فقد تجاوز هؤلاء جميعا وطلب التعامل مع مصر كحركة إرهابية وليس كدولة ذات سيادة والإسراع إلى احتلال سيناء. ماذا كانت تصريحاتنا فى مواجهة هذا الهراء؟! السيدة فايزة أبو النجا أصرت على أن وزارة البترول والحكومة ليس لهما دخل فى هذا الأمر الذى يخص عقدا تجاريا بين شركتين وقد تم إخطار الإسرائيليين 5 مرات لعدم السداد ولم يستجيبوا مما اعتبر معه العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه. وهذا الكلام الناعم ينفذ فى صدورنا كالرصاص ولا يشفى غليلنا ولا يستجيب لإرادتنا وأشواقنا الوطنية.. وهو يعنى بكل صراحة أننا صدرنا الغاز لإسرائيل دون مقابل.. وقد آن الأوان لنعرف الفترة التى توقفت فيها إسرائيل عن السداد بالضبط ولماذا لم يوقف ضخ الغاز منذ اللحظة التى توقفت فيها عن سداد المبالغ المطلوبة. على الجانب الآخر صرح المهندس عبد الله غراب، وزير البترول، بأن وقف تصدير الغاز لإسرائيل لا يعكس توجهات الدولة ولا تحكمه أية اعتبارات سياسية ولا يخرج عن كونه خلافا تجاريا. وهكذا أفسد الوزيران – أبو النجا وغراب – سعادتنا.. وسرقا فرحتنا.. وأفرغاها من مضمونها.. وسحبا القضية من المربع الوطنى والقومى إلى المربع التجارى مثل أى "خناقة" على الأسعار والشيكات بين شخصين فى السوق.. كأنها استكثرا علينا الفرصة والشعور بالعزة والكرامة الوطنية ليوم أو بعض يوم. ليتهما – على الأقل – قالا مثلما قال الأخ محمد شعيب رئيس الشركة القابضة للغاز الذى أكد أن قرار منع تصدير الغاز لإسرائيل نهائى ولا رجعة فيه مطلقا.. وهو ربما يدرك فى داخله أنه "ما يقدرش". يكفى أنه جعلنا نشعر أنه فى داخله فرحان مثلنا.. ولو من بعيد لبعيد. Momen_alhbbaa@hotmail