مع تصاعد أسهم التيار الإسلامى، خاصةً حزب "الحرية والعدالة" الجناح السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والإعلان عن تشكيل الجمعية التأسيسية التى صدر بشأنها مؤخرًا حكم من القضاء الإدارى جارِ الطعن عليه بدأت تتردد فى الأفق علامات استفهامٍ وأسئلة حائرة كثيرة بعضها أسئلة لمتعلمين وأخرى لمتعنتين. وبدا أن هذا التصاعد الواضح فيه تهديد لفئات معينة فى المجتمع وأعنى بهم الأقباط خاصةً فيما يتعلق بالحريات والمساواة الكاملة فى المشاركة فى الحكم والمسئولية والإدارة. مما دفع البعض للمطالبة بضمانات دستورية رؤيت على أنها خروج على التآلف الوطنى والتوافق العام الذى نعمت مصر فى ظلاله كثيرًا بدءًا من الفتح الإسلامى وحتى سنوات ليست بالبعيدة عنّا. من هذه الأسئلة التى كثر البوح بها فى المنتديات واللقاءات أو حتى على مستوى رجل الشارع العادى ما يتعلق بالمواطنة ومدى إمكانية تفاعلها مع الشريعة أو العكس، وهل هناك تعارض بينهما، وما مدى إمكانية إعطاء المسيحيين حقوقًا تتمثل فى الاحتكام إلى شرائعهم، وهل يعنى ذلك إعطاء حقوق مماثلة لأقليات بدت أسماؤها تتردد مؤخرًا على الساحة المصرية كالبهائية والشيعية، وهل من حق المسلم التصويت فى عملية اختيار الرئاسة الدينية للكنيسة المصرية. لكن أكثر هذه الأسئلة إثارةً للجدل واتصالاً بالواقع هو السؤال المتعلق بالمادة الثانية من الدستور المصرى وتضارب الأقوال ما بين التأييد بالإبقاء أو المطالبة بالإلغاء وهو حديث ليس بجديد على الساحة المصرية وإن كان يشتد ويضعف بحجة أن الشريعة لا تضمن المساواة بين مختلفى الديانات من المواطنين. والحقيقة أن الشريعة الإسلامية ومبادئها ليست غريبة ولا بعيدة عن أقباط مصر وقد طبقت على المصريين جميعًا منذ دخل الإسلام مصر فى النصف الأول من القرن الهجرى الأول واحتضنت مصر إشعاعًا ثقافيًا فقهيًا لم يكن الأقباط بمعزل عنه، وندلل على ذلك بما شاع استخدامه من ألفاظ فقهية وردت على سبيل المثال فى كتاب القوانين المعروف باسم المجموع الصفوى للمثقف القبطى المعروف صفى الدين أبى الفضائل بن العسال. أما فيما يتعلق بالمادة الثانية فإنها تنص على أن (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع) ومعنى ذلك شمولية الشريعة الإسلامية لمبدأ المواطنة، وأنه متأصل فيها مما يمنع أى تعارض فى المساواة بين المواطنة والشريعة. بل أن فكرة المساواة أكدتها السنة النبوية وكتابات أئمة الفقه الإسلامى وكذا جاء ذكرها كثيرًا فى الأدبيات الإسلامية التى تقرر كلها هذا القول الخالد (لهم ما لنا وعليهم ما علينا ). ويعود الأصل الدستورى للمادة الثانية إلى المادة 149 من دستور 1923 الذى استمر العمل به حتى 1953 وهى المادة الأولى من الباب السادس وعنوانه "أحكام عامة"، ولمن لا يعلم فإن صاحب اقتراح النص على أن دين الدولة هو الإسلام هو مفتى الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد بخيت المطيعى عندما اقترح على لجنة الدستور المصرى 1923 بأن ينص فيه على أن دين الدولة هو الإسلام وأقر بذلك معه أهل جيله من الفقهاء بأن تكون المرجعية الأساسية للدولة هى الإسلام ووافقت اللجنة بالإجماع على هذا الاقتراح وهو إجماع ساد فى جو فكرى تفوح منه عبير الليبرالية. والإجماع هنا شمل أعضاء اللجنة من غير المسلمين مما يؤكد مدى تقبل العقول السليمة للشريعة الإسلامية التى هى عند المسلم دين وعند غير المسلم هى فقه وأحكام ووجهات نظر ولقد اعترفت المجامع الفقهية الدولية بالشريعة الإسلامية باعتبارها من المدارس الأصيلة فى الفقه العالمى.