هذا عنوان قصيدة رائعة أحدثت مؤخرًا ضجة هائلة فى ألمانيا وإسرائيل.. القصيدة لأديب ألمانيا الأشهر والحائز على جائزة نوبل فى الآداب جونتر جراس.. القصيدة تمثل صحوة ضمير أو قل وخز ضمير إنسانى يشعر صاحبه بالخزى والعار أن يسكت عن قول الحق أكثر مما سكت طول عمره.. قرأت القصيدة مرات كثيرة وفى كل مرة يثور فى نفسى سؤالان: الأول: كيف لو علم هذا الشاعر الموهوب بقول رسولنا صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) وكيف لو سمع قول عديد من علماء الإسلام (الناصح المتكلم بالباطل شيطان ناطق، والساكت عن الحق شيطان أخرس)؟ الثانى: هل آن لكثير من علمائنا ودعاتنا أن يصدعوا بكلمة الحق لا يخافون فى الله لومة لائم، سواء كان هذا اللائم سلطة جائرة أو جماهير مندفعة بعواطفها أو بالتضليل الإعلامى؟ يبدأ جونتر جراس قصيدته بهذا التساؤل المؤلم: لماذا أنا صامتٌ؟ ولماذا صمتُ طويلاً طويلاً؟ عما هو واضح، عما يُمارس كألعاب تحاكى الواقع، وفى نهايتها سنكونُ - نحن الناجين - فى أحسن الأحوال مجرد هوامش. إنه الحق المزعوم فى توجيه الضربة الأولى، الضربة التى قد تمحو من الوجود الشعب الإيرانى المقموع من بطل صوتى جعجاع والمُقتاد إلى التهليل المنظم، لأنهم يشتبهون فى حيازته قنبلة نووية تحت الصنع. .... ثم يتساءل جراس فى فقرة لاحقة بمرارة أكثر: ولكن لماذا منعت نفسى حتى الآن عن ذكر إسرائيل باسمها؟ إسرائيل التى تتوسع بشكل منتظم فى ترسانتها النووية خارج نطاق المراقبة أو التفتيش. إننا كلنا نعرف هذا الفعل الإجرامى أشعر به مثل كذبةٍ تديننى ومع ذلك بقينا صامتين.. وخائفين من أن تلتصق بنا تهمة معاداة السامية أو إشاعة الكراهية أو ما هو أسوأ .. ولكن الآن، لأن بلدى ألمانيا، الذى تلاحقه المرة تلو الأخرى، جرائم عتيدة، لا نظير لها، تُعرضه للمساءلة، سيورّد غواصة نووية أخرى إلى إسرائيل، ولكننا سنسميها "صفقة تجارية".. أو "تعويضًا إنسانيًا".. أو سمها ما شئت لكننا.. فى النهاية نورد غواصة تحمل رؤوسا نووية تدمر كل شىء، هناك، حيث لم يثبت وجود قنبلة نووية واحدة لكن المخاوف تزعم لنفسها قوة الدليل، لهذا أقول ما ينبغى أن يُقال. .. وقبل ختام القصيدة يعلن جراس قراره النهائى: ولكننى أعترف: لن أصمت بعد اليوم لأننى سئمت نفاق الغرب، ولأننى آمل أن يحرر كثيرون أنفسهم من أغلال الصمت، ليطالبوا المتسبب فى الخطر الواضح بنبذ العنف، لأن العواقب شديدة الوضوح. لقد أشعل جراس ضجة هائلة فى ألمانيا وإسرائيل ودول أخرى بقصيدة من أسطر قليلة، ولن يتمكن كثيرون من تجاهل صيحته "القوة النووية لإسرائيل تهدد سلاماً عالمياً هشاً أصلاً"، وسيفكر كثيرون فى إنذاره الصريح "إن إسرائيل قد تدفع العالم كله إلى الهاوية". وكما كان متوقعًا هبت عاصفة عاتية من سهام النقد المسمومة تزعمتها إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية المملوكة لجماعات الضغط اليهودية.. فقد سارع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قائلا "إننى مندهش من هذه القصيدة، إن مساواة جونتر جراس الأخلاقية المخزية بين إسرائيل وإيران التى ينكر نظامها المحرقة ويهدد بمحو إسرائيل لا تشى بشىء يذكر عن إسرائيل وتشى بالكثير الكثير عن جراس.. ولكن بالنظر لتاريخ جراس فإن وصفه للدولة اليهودية الوحيدة بأنها أخطر تهديد للسلام العالمى ومعارضته لتزويدها بوسائل الدفاع عن نفسها ربما لا يكون أمرًا مثيرا للدهشة". وفى ألمانيا، سارع ماتياس دوفنر، رئيس دار نشر "أكسل سبرينغ" وهى الشركة الأم لكبرى الصحف اليومية فى ألمانيا، Blid، سارع باتهام جراس بأنه يعبر "عن معاداته للسامية بأسلوب لبق"، وأن جراس يجب أن يودع مركز إعادة تأهيل تاريخية. ووضع المبعوث الإسرائيلى فى برلين نحشون قصيدة جراس ضمن" الحملة المسعورة لمعاداة السامية منذ قرون ضد اليهود. وقال "قصيدة ما ينبغى أن يقال، تنتمى إلى الموروث الأوروبى، باتهام اليهود بالقتل أثناء شعائر عيد الفصح اليهودي، حيث كان يتم استخدام دم الأطفال المسيحيين لتصنيع فطائر العيد.. أما اليوم فهو الزعم بأن ما تريده الدولة العبرية هو محو الشعب الإيرانى". من ناحيته شن رئيس الجمعية الألمانية الإسرائيلية راينهولد روبة هجومًا عنيفًا على قصيدة جراس ووصفها بأنها لا قيمة لها وأنها عبث وأن جهل جراس بطبيعة الوضع المعقد فى الشرق الأوسط مخيف ويبعث على عدم مصداقيته عبر قصيدته هذه بكونه مثقفا وفنانا. وبرغم ردود الفعل المتشنجة والداعمة لإسرائيل، فقد خرجت مسيرات فى ألمانيا تؤيد جراس ورفعت لافتات مثل (جونتر جراس معه حق) و(شكرا جونتر جراس).. كما وقف اليسار الألمانى مع الأديب الألمانى وقال فولفجانج جيركة "إن جراس يملك الشجاعة للتعبير عما كان مسكوتًا عنه لوقت طويل".