_هاهو الأزهر يُسَطِر من جديدٍ علي صفحاتِ الزمانِ موقفاً عَلِمَته الأرضُ كلها،من مشرق شمسِها وحتي مغربها،موقف قال فيه لكل من تسول له نفسه أنه أرفع مكاناً وأكثر جنداً،يقول لمن جال بخاطره يوماً أنه من العتاد بمكان وأعز نفراً : عفواً فهنا الأزهر،موقف قال فيه :إن علماء الأزهر الشريف وإن ارتآهم البعض يوما زماماً في يد السلطان يوجه بهم قبلة البلاد حيث أراد : ما كنا يوماً كما ظننتم،وما ينبغي لنا أن نكون.وإننا وإن كنا قد أخطأنا الاجتهاد فيمالا نص فيه يوماً ما،أو فيما نصه ظني الدلالة، فنحن فيمانصه قطعي الدلالة والثبوت كالحسام يقطع دونما هوادة، لا عن غطرسةٍ أو مكابرةٍ أو تعالٍ ،حشانا ياقوم..،وإنما عن أمانة ورثناها كابراً عن كابر، ورسالةٍ في أعناقنا حملناها، وقد أخذ الله الميثاق علينا أن نبينها للناس،ولا نكتمها (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه). _ولمن يسأل عن أسباب انطلاق الأزهر وصموده وشموخه وثباته كما الرواسي حتي لا تميد بالشعوب وآمالها أهواء السلاطين،يذب عن قواعد الإسلام ،وعن شطط الأفكار أقول له :هو انفتاحه لدراسة كافة أنواع العلوم محوطةُ بالمذاهب السنية علي اختلاف مشاربها،والفلسفات علي تنوع مضمونها ،حتي وإن كانت معادية لمبادئ ديننا وإسلامنا .إن الأزهر الذي يدعي الجهلاء والحاقدين والشراذم داعشيته وإرهابه،وجموده،كان ولا زال وسيبقي كما يقول المقريزي ساحة أمن واطمئنان يلجأ إليها المصريون خاصة،والمسلمون من أعماق فجاج الأرض عامة، من طلابٍ و تجار وزراع وصناع وجنود وغيرهم ليجدوا في أروقته عطرا يفوح من تدريس العلوم بباحته. إنه الأزهر الذي وضع للعالم أجمع فكرة التلعيم عن بعد،عن طريق مايسمي بإجازة المرويات عن طريق الاستدعاءات . _ إنه الأزهر الذي دانت لعلمائه ولا زالت تدين عقول الغرب قبل الشرق ،كابن الفارض،وأبو القاسم المنفلوطي، وجمال الدين الأسيوطي، والمحدث سعد الدين الحارثي ،والعلامة شهاب الدين السهروردي،وابن خلكان. بل سلهم عن بن حجر العسقلاني خطيب الجامع الأزهر في عام 1419م، والأفغاني،ومحمد عبده. إنه الأزهر الذي وبسبب سطوع نجمه في سماء المعرفة حاول محمد علي أن يبني العديد من المدارس العليا والثانوية والإبتدائية لينافسه بها جامعا وجامعة ، لكنها عانت ضعفا من مواجهة الأزهر.إنهم علماء الأزهر الذين استعان بهم سليم الأول في تشكيل مجلس ديوانه الكبير،الذي أوكل إليه اختصاصات خطيرة علي رأسها إصدار القرارات بعزل الوالي.إنهم علماء الأزهر الذين خرج من بينهم الشيخ عبد الله الشبراوي، الذي صعد إلي القلعة ليقابل الباشا العثماني أحمد كور ليقضي عنده حاجات الشعب المصري ، فخاطبه قائلاً: نحن المتصدرون لخدمة الشعب وقضاء حوائجه عند أرباب الدولة والحكام. وكانوا لا يردون شفاعة علماء الأزهر. _إنهم علماء الأزهر الذي سطر أحد أسلافهم وهو العالم مصطفي سليمان المنصوري الشيخ سليمان مصطفي المنصوري أقوي صور التحدي لعلماء الأزهر حينما قال لقاضي القضاة العثماني متحديا سلطانه بأنه لن ينفذ أمراً أصدره السلطان إذا كان مخالفاً لأحكام الشريعة .إنهم علماء الأزهر الذين كانت ترتعد لمكانتهم العلمية والاجتماعية في قلوب الشعب فرائص أمراء المماليك، فما أن قرر السلطان في تركيا إرسال الحملة العثمانية إلي مصر بقيادة حسن الجزائرلي عام 1786م لكسر شوكة المماليك إلا وهرع المماليك وأمرائهم وعلي رأسهم إبراهيم بك إلي شيوخ الأزهر وعلي رأسهم شيخ الأزهر أحمد العمروسي والشيخ الدردير شيخ رواق الصعايدة آنذاك يتوسلون إليهم عدم إثارة الشعب عليهم . إنهم علماء الأزهر، الذين من إجلال الدولة العثمانية لهم ولمنصب شيخ الأزهر ،لم يعينوا أحدا من علماء الدولة العثمانية في هذا المنصب رغم كونهم قادرين علي ذلك ، بل ولم يتدخلوا في اختياره، وكان اختيار شيخ الأزهر يتم داخل مصر ،من قبل علمائه دون تدخل من استانبول، ويتوج لهذا المنصب في حفل مهيب. _أنه الأزهر الذي خرجت من علي عتبات باب جامعه أول ثورة للجياع بقيادة علم من أعلام الأزهر وهو شيخ الإسلام عمر البلقيني، في يوم الجمعة ، الخامس والعشرين من فبراير سنة 1396م، إبان عهد أول حاكم لدولة المماليك سيف الدين أبي سعيد برقوق، بسبب غلاء الأسعار ، والارتفاع الفاحش في كل مواد المعيشة ،لدرجة اختفاء القمح والفول والذرة والشعير وانعدام الخبز في المخابز والاسواق. إنه الأزهر الذي احتضن الإمام محمد الفاسي المغربي وهو من بلاد المغرب ليقوده ويدرس بين جنباته في عام 1434م ! إن محاولات ضرب علماء الأزهر بعضهم ببعض ليس بالجديدة ،فمن قبل كانت دولة المماليك،ثم محمد علي حينما قرروا بجانب منصب شيخ الأزهر منصب ناظر الأزهر لإدارة شؤوون الأزهر المالية والإدارية ،علي أن يسند هذا المنصب إلي علماء من الأزهر فيزداد التنافس والتناحر بين العلماء! إنه الأزهر الذي كانت طبول الثورات ضد الظلم والطغيان لا تدق إلا من مآذنه، يتقدمها شيخ الأزهر وعلمائه،راكبين البغال، يحف بهم الشعب شمالاً وجنوباً،ومن الأمام ،ومن الخلف، فكانوا زعماء شعبيين علي أعلي مستوي. إنهم علماء الأزهر الذين قال عنهم نابليون من منفاه في سانت سيلانه : أنهم الصفوة الممتازة من الطبقة المستنيرة أولا، ثم لكونهم زعماء الشعب المصري حين تحوطه الملمات ثانيا. ف قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا ... وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا وَاِجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ ............في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا وَاِذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّماً .... .... .. لِمَساجِدِ اللَهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا وَاِخشَع مَلِيّاً وَاِقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ ........... طَلَعوا بِهِ زُهراً وَماجوا أَبحُرا كانوا أجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَةً ............وَأَعَزَّ سُلطاناً وَأَفخَمَ مَظهَرا زَمَنُ المَخاوِفِ كانَ فيهِ جَنابُهُم ............حَرَمَ الأَمانِ وَكانَ ظِلُّهُمُ الذَرا تحية إلي هيئة كبار علماء الأزهر الشريف ،حاملة الأمانة، ومبلغة الرسالة ، علي نبل موقفها في حماية حمي الشرع وقواعده ضد كل من يجهل قانون الشرع ويريد أن يعبث به.سلام علي أزهرنا الشريف. ** مدرس مساعد القانون الخاص، جامعة الأزهر .