جاء الربيع العربي- و من قبله هزيمة أمريكا في العراق و أفغانستان- لينصر نظرية المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون الأستاذ بالعلوم السياسية بجامعة هارفارد على نظرية تلميذه المفكر الأمريكي - من أصل ياباني – فرانسيس فوكوياما الذي كان من منظري المحافظين الجدد، حيث كانت نظرية الأول المسماة "بصراع الحضارات" - و التي كانت عبارة عن مقالة نشرها عام 1993 م في مجلة فورين أفيرز ثم تحولت إلى كتاب- ترى أن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ستحل مكانه في الصدام مع الولاياتالمتحدة إما الحضارة الإسلامية أو الصينية ،و أن نظام القطب الواحد - أي الولاياتالمتحده - لن يدوم. أما نظرية الأخير فوكوياما المسماة ب "نهاية التاريخ" فقد كانت مقالة نشرها و تحولت إلى كتاب أيضا و رؤيته فيها أن سقوط الإتحاد السوفيتي هو نهاية التاريخ لنشر القيم الليبرالية و الديموقراطية في العالم و أن كثيرا من المجتمعات أصبحت تتقبل الديموقراطية، و أنها أفضل النظم التي عرفها الإنسان في مقابلة الديكتاتورية. و يبدو أن الربيع العربي في مصر و تونس و ليبيا و اليمن ،أتى ليؤكد انتصار نظرية هنتنجتون و التي هي بالنسبة لنا معاشر المسلمين، حقيقة و عقيدة و ليست نظرية ،و أن المجتمعات الإسلامية لا يمكن أن تنصهر في بوتقة الليبرالية، و التي تعطي حريات ليس لها حدود، فالإسلام محفوظ بحفظ الله، قال تعالى «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر:9) و قال تعالى «وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ » (الحج:40)و قال النبي صلى الله عليه و سلم :"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم و خذلهم حتى يأتي أمر الله و هم على ذلك " و قال النبي صلى الله عليه و سلم :" ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار و لن يترك الله بيت مدر ولا بيت و بر إلا ادخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الاسلام و اهله و ذلاً يذل الله به الكفر و أهله ". و الناظر للأنظمة الديموقراطية يجدها قطارا يسير في إتجاه و احد و هو فرض الليبرالية على الشعوب المسلمة ، و إذا أتت الديموقراطية بالإسلام و بالإسلاميين تجد من كان بالديموقراطية حفيا ينقلب على عقبيه ،و يرفض الديموقراطية و كأنها صنم العجوة الذي إذا جاع أكله !. إن الربيع العربي آية من آيات الله عز و جل ، فبين عشية و ضحاها سقطت الكثير من الانظمة المستبدة في عالمنا العربي و الإسلامي، ليبزغ لنا فجر جديد نتنسم فيه عبق الحرية بعد سنين من التبعية للغرب، الذي لا يحب إلا نفسه ، و لا يرى إلا مصالحه و الذي ساق العالم كله إلى دمار و مجاعات و حروب ،و صدق أبو حسن الندوي – رحمه الله - حين قال :"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟"، فنأمل أن يكون هذا الربيع العربي ربيعا عالميا يأتي بالخير للعالم كله ؛ ربيعا لا يرمي بالقمح في المحيطات و قارة إفريقية تموت جوعا !،ربيعا لا يعتدي على ثروات الأخرين من بترول و غيره، ربيعا لا يقتل المدنيين و النساء و الأطفال !، ربيعا لا يعذب البشر في المعتقلات حتى الموت و لا يهتك أعراضهم !. إن العالم اليوم في حاجة إلى من يقوده إلى خير الدنيا و الأخرة ، ليس بفكر ليبرالي و لا غطرسة أمريكية، إنما بدين سماوي لا مبدل و لا محرف !، قال تعالى «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ »0(آل عمران:110) [email protected]