وصلتني مُشكلة من فتاة متزوجة عن «الحبيب الحاضر»، لم أكن أفهم ما المقصود به، فقالت: هو أن تتزوج الفتاة ممن لا تُريد، وتُحرم ممن تريد، الحاضر في القلب والروح، فهي مع زوجها بجسدها، ومع الثاني بروحها، فهي عذراء روح وقلب رغم زواجها. وسألني شاب متزوج، عن زوجة ثانية، فقلت: لِمَ؟ فقال: لأن أهلي أجبروني على ترك من أريد، وزوجوني ممن لا أريد، وأنا قلبي مُحترق مُمزق، لا أستطيع النسيان، فالألم حاضر وقوي في روحي، وأريد أن أطفئ نيران الفراق بماء حُبِّ جديدٍ، ورغم ما تفعله زوجتي، بيد أني أراها دائمًا بعين المفروض والمجبور على العيش معها. لم أكن أتوقع أن ذكرى حب أو حرمان من أحد تكون بسبب ديكتاتورية والد، أو ضيق أفق أهل، لا يعيرون للمشاعر وزنًا، ولا للقلب سلطانًا، ولا للروح الإنسانية شأنًا، فهم قساة غلاظ ينظرون من سم الخياط، ويشغلهم شكل زواج ابنهم أو ابنتهم دون النظر إلى روح أو قلب أو مشاعر، يظل متحركًا في الجوى إلى هذا الحد! بالعودة إلى شرعنا الحنيف نجد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حث على تزويج المحبين، فعلاجُ الحب القرب الحلال، والرسول لاينطق عن الهوى، فهو يعلمُ عظم مشكلة ألا يرتبط المحبون ببعضهم، فخطر عدم الارتباط عظيم على الفرد والمجتمع. أولاً: خطر عدم زواج المحبين على الفرد: وهو الدخول في حالة نفسيّة تُعطل الإبداع والإنتاج والعطاء، وتُورث الأمراض، ويُصابُ الفرد بِالضيق والعصبيّة والشلل عن التكيف مع أي واقع آخر، ويصبح القلبُ دائمًا مُعلقًا، والروحُ مُصدعة، والإحساس ممزقًا. ومن جانب آخر، فهو ظلم للطرف الآخر الجديد (زوج أو زوجة)، فهو يُتابع حبيبته المفارقة، وهي أيضًا تتابعه، وتُراقبُه، وقلبُها مفطور إذا حزن، وروحها مُحلقة إذا فرح.. ولربما يُؤدي الأمر إلى أن يكن المحبان متزوجين، ولكن يتواصلان مع بعضهما في الخفاء إلى أن يصلا إلى الخيانة، مبررين لأنفسهما ما لا يحلُّ. فالخيانة تتطور من خيانة مشاعر إلى خيانة فراش.. وهذا بسبب التفريق بينهما، فهناك جاذبية شيطانيّة في إرواء العطش الرُّوحي الذي سببه ألم الفراق. ثانياً: خطر هذا الأمر على الأسرة: هو أن الزوج لا يقتنع بأي زوجة أخرى غير حبيبته، فيتزوج بأخرى فيضعها في وضع مقارنة ظالمة؛ لأن الأهل رأوا أنه يجب أن يتزوج، فيرتبط شكلًا لا مضمونًا، جسدًا لا روحًا، ويتمُّ الزواج وتظهر المشاكل، فهو شارد يلقاها جسديًا لأن هذا داعي شهوة ليس أكثر. ويصبح عابسًا كئيبًا، مهملًا متجاهلًا بيته، فيظلم المسكينة دون أن يُبالي، فهو في عالم آخر، عالم الوهم، يرفض الانصياع للواقع الجديد، وتعمى روحه عن رؤية زوجته الجديدة بعين الإنصاف، رغم جمالها بيد أنها ليست أجمل من حبيبته الغائبة، رغم مرحها ولكنها ليست مثل محبوبته التي حرم منها، رغم عطائها وبذلها، لكن المُتيم بها شاغلة باله.. ثم يتحوّل هذا الحب المدفون إلى طاقة خيانة رهيبة، خيانة مشاعر، وخيانة وفاء وإخلاص، وخيانة لأولاده الذين من حقهم أن يعيشوا حياة سعيدة مستقرة، وخيانة قداسة الرباط المقدس بينهما... أما المرأة المحبة المفارقة المحرومة من حبيبها، فهي تعيسة ولكنها ترسم بسمة شاقة، تلبس وتتأنق وفاء وليس حبًا، تتفنن في إسعاده إخلاصًا وليس عشقًا.. ومع نفسها تلسعها الأوجاع، وتشرب كؤوس الهم والغم، ينفطر القلب إن ذُكر اسم حبيبها، وتفرح إذا ورد خاطر سعيد عنه.. مشاعر عصفورة صغيرة بللها القطر.. وتسرد شريط ذكرياتها على عزف دموعها. وهذا في الحقيقة يُؤدي إلى انفصال وجداني عن الشريك الجديد، والانفصال الوجداني هو بداية التشقق والتصدع في لبنات الأسرة، وخطورة هذا الصدع على الأسرة الضياع والشتات والخرس الزوجي الذي يسبق الطلاق! إن هذا الانهيار الأسري عواقبه وخيمة على الاستقرار الاجتماعي، فالزوج خاسر، والزوجة خاسرة، والأولاد يحملون ذنوب الإجبار والاختيار وهم جميعاً قنابل موقوتة تراها قد تفرقت على جسد المجتمع فتظهر أمراضاً اجتماعية ونفسية ما عرفناها ولا ألفناها، ونرى مشكلات ضخمة لأسباب ظاهرها أنها واهية، كما نرى أطفالاً ظاهرهم الغنى والثراء والبهجة والهناء ولكنهم مُثقلون بالهم والبلاء مما يرونه داخل بيت مشتت الفكر، جاف المشاعر، يضن بالعاطفة على من فيه . وختامًا أقول: إن الركون إلى مطيّة النصيب لتمرير إجبار ما على الشاب أو الفتاة أو حرمان المحبين، هو بداية ارتكاب جريمة لا تغتفر لعقود طويلة، وفيها وزر عظيم . فيا أهلنا الكرام، كونوا عقلاء، وادفعوا النصيب بالنصيب، فلماذا تَحولون بينهم، اجعلوهم يتحملون مسئولية اختيارهم، ولهم وعليهم النتيجة، فالحبيب الغائب الحاضر ألمه خطير..فاحذروه!