أعجبتنى التصريحات التى أدلى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أسابيع لرؤساء تحرير الصحف القومية وأعلن فيها أنه يملك الشجاعة للاعتراف اذا أرتكب أى خطأ , وكنت أتمنى أن يكون مصاحباً لهذه الإعتراف التأكيد صراحة أن خطأه الأكبر هو تكليف المهندس شريف اسماعيل برئاسة الحكومة وأنه سيقوم بتصحيح هذا الخطأ الفادح , ولكن يبدو أنه لن يصححه فى التشكيل الوزارى الجديد خاصة بعد إشادة الرئيس فى تصريحات له مؤخراً بشريف اسماعيل وكأنه إما يتحدث عن رئيس حكومة آخر أو عن شعب آخر غير مصر , وهو الأمر الذى يؤكد أن هناك أخطاء جسيمة تصل للرئيس من خلال التقارير التى تقدم اليه وتكشف له عن واقع غير الذى يعيشه المصريون هذه الأيام بسبب السياسات الفاشلة للحكومة . وهنا أتوقف أمام التصريحات التى أدلى بها المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب لجريدة الأهرام يوم الجمعة الماضى والتى نشرت بعنوان " أرفض وصف الحكومة بالفاشلة " , وردا على هذا التصريح أقول للعجاتى : ما هو مبررك لهذا الرفض لإتهام الحكومة بالفشل ؟ وما هو النجاح أو الإنجاز الذى حققته من وجهة نظرك طوال العام ونصف العام الماضية ؟ وهل طلبت الأرقام الصحيحة والصادرة عن جهات رسمية وأكاديمية وبحثية والتى تكشف حقيقة معاناة الناس فى ظل هذه الحكومة قبل أن تطلق تصريحاتك المستفزة للدفاع عن حكومة ثبت أنها منتهية الصلاحية . وفى هذا السياق نشير إلى الدراسة المهمة التى صدرت مؤخراً عن المركز العربى للبحوث والدراسات الذى يترأس مجلس إدارته الإعلامى والنائب البرلمانى عبدالرحيم على المقرب من كل دوائر صنع القرار فى مصر حالياً وأحد أبرز الموالين للرئيس السيسى . هذه الدراسة أعدها الباحث أبراهيم نوار بعنوان " تحديات الاقتصاد المصري في 2017 " , أكدت أن قرار البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه والذى صدر فى 3 نوفمبر الماضى ، كانت له نتائج كارثية منها : - تراجع سعر الجنيه المصري على مدار الأسابيع التالية لقرار التعويم من 13 جنيها إلى 18.3 جنيها للدولار الواحد، أي أن قيمة الجنيه إنخفضت منذ التعويم بنسبة 40.7% وهو ما يعني أن الخسارة التراكمية للجنيه بسبب قرار التعويم وما بعده تصل إلى 88.4% وهو ما يمكن أن يترك آثاراً كارثية على الإقتصاد. - تتمثل أهم الآثار التي يمكن أن يتسبب فيها استمرار تدهور الجنيه المصري في الضغط على معدل النمو، إلى درجة وقف النمو وتعريض الإقتصاد لخطر الإنكماش، ورفع معدل التضخم، حيث سجلت الأرقام الرسمية لشهر نوفمبر ارتفاع معدل التضخم إلى 20.2% وهو تقدير شديد التحفظ إذا قارناه بمتوسط زيادات الأسعار في السوق وأثر ذلك على الإنفاق الإستهلاكي للأفراد. ومن المتوقع في السنة المالية الحالية أن يستمر تراجع الجنيه على ضوء العلاقة النسبية بين معدل التضخم في مصر ومعدل التضخم في الولاياتالمتحدة الذي سجل 1.6% في شهر أكتوبر 2016. ذلك أن ارتفاع التضخم بمعدلات أعلى يقلل أكثر من القوة الشرائية للعملة مقارنة بغيرها. وكلما استمر هذا الفارق الحاد بين اسعار التضخم للجنيه المصري والدولار، فإن قيمة الجنيه سوف تستمر في التآكل دولياً. - المشكلة الأشد خطورة تتمثل في الآثار السلبية التي سيتركها تدهور الجنيه على الميزانية العامة للدولة. وطبقا لنموذج تأثير أسعار الصرف على الميزانية، تتوقع وزارة المالية أن يتسبب كل انخفاض للجنيه بمقدار 10 قروش فقط مقابل الدولار في زيادة العجز في الميزانية بقيمة تزيد على المليار جنيه (1.1 مليار جنيه). وهذا يعني أن قيمة العجز المالي في السنة المالية الحالية ستزيد عن التوقعات بنحو 100 مليار جنيه بسبب تدهور أسعار الجنيه فقط، وبدون أن نأخذ في الإعتبار المتغيرات الأخرى التي ترجح حدوث المزيد من العجز. ومن المرجح أن تواجه الحكومة زيادة متطلبات الإنفاق بفرض زيادات إضافية في الأسعار خلال السنة المالية الحالية. - لكن التأثيرات السلبية على تقديرات الميزانية لن تتوقف عند هذا الحد. وسوف يضيف التغير في قيمة واردات النفط ومشتقاته والغاز التي تجاوزت كثيراً تقديرات الميزانية أعباءاً إضافية على الميزانية. فقد تم حساب أسعار البترول على أساس 40 دولاراً للبرميل، لكن الإتفاق الأخير لدول أوبيك على تخفيض الإنتاج بنسبة 4% والسعى لدى الدول المصدرة غير الأعضاء لكي تحذو حذوها قد أدى إلى ارتفاع الأسعار فعلياً في السوق. وتستهدف أوبيك سعراً حده الأدنى 55 دولاراً للبرميل، وقد يصل إلى 65 دولاراً. وطبقا لتقديرات وزارة المالية فإن كل زيادة في أسعار النفط بقيمة دولار واحد في البرميل تضيف إلى دعم الطاقة ما يعادل 1.5 مليار جنيه سنوياً. وهذا يعني أن الزيادة في أسعار النفط بقيمة 15 دولاراً في البرميل عن التقديرات الأولية سؤدي إلى زيادة دعم الطاقة بما يعادل 22.5 مليار جنيه. وأكدت الدراسة أن صانعي السياسات الاقتصادية (النقدية والمالية والتجارية) هم بالتأكيد في وضع لا يحسدون عليه، لكنهم جزء من المشكلة الإقتصادية لأنهم صنعوا سياسات فاشلة، أدت إلى تعقيد الأمور أكثر وأكثر كل يوم. لقد أنفق البنك المركزي المصري عشرات المليارات من الجنيهات لدعم المستوردين بدلاً من مساندة احتياجات المنتجين المحليين، واستخدمت الدولة أموالاً رخيصة بأسعار فائدة بخسة (أموال التأمينات وبنك الاستثمار القومي) في تمويل أنشطة مليئة بالفساد والشبهات، وغابت الشفافية والمساءلة عن الكثير من المشروعات التي يتم تنفيذها، خصوصاً في وحدات الحكم المحلي، ومنها محافظاتالقاهرة الكبرى، وتبنت الدولة سياسة متحيزة ضد المنتجين بشكل عام وضد المنتجين في قطاع الزراعة على وجه الخصوص وهو ما أدى إلى غياب الكثير من السلع وزيادة اللجوء للإستيراد.