الارتفاع التاريخي بالاحتياطي يكشف اتجاه الحكومة نحو تكوين احتياطي للنقد الأجنبي من الديون الخارجية، وهو ما يفرض ضغوطًا سياسية واقتصادية على البلاد؛ إذ يرى «مدحت نافع»، الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل، أنه «طالما كانت الديون بوابة السيطرة على حكم مصر تاريخيًا، ووسيلة لبسط النفوذ السياسي حاليًا». وقال نافع خلال حديثه ل«ساسة بوست»: إنه «منذ أن فقدت مصر الملكية سيادتها في عهد الخديوي إسماعيل بفعل الديون وخضعت لمشروطية مؤسسات التمويل بفعل الديون، ومازالت ديون ومساعدات الخليج تؤثر في مواقف البلاد السياسية». توزيع الديون المصرية، التي يعد أغلبها من دول الخليج العربي، هي التي تصنع موقف البلاد من الصراعات الإقليمية في اليمن وسوريا وليبيا، هكذا يرى نافع، الذي أشار إلى أن «التأثير امتد إلى اتفاقات ترسيم الحدود، والتي يربط البعض تفاصيلها بالمساعدات والديون السعودية»، على حد قوله. وتشير بيانات البنك المركزي عن شهر نوفمبر 2016، إلى اتساع الفجوة الدولارية؛ إذ جاء صافي الأصول الأجنبية بالسالب، سواء لدى البنك المركزي أو باقي وحدات الجهاز المصرفي، ففي سبتمبر 2016 بلغ صافي الأصول الأجنبية بالبنك المركزي -57.1 مليار جنيه مصري، ولدى باقي البنوك -54.6 مليار جنيه، وهو ما يعني أن البلاد لن تتوقف عن مزيد من الاقتراض. وقال «مصطفى عبد السلام»، الخبير الاقتصادي، «إن الحكومة المصرية ستقترض خلال عام 2017 نحو 7.3 مليارات دولار عبر آلية طرح السندات الدولية فقط، بالإضافة إلى قروض مباشرة أخرى في عام 2017 منها شريحتان من صندوق النقد الدولي بقيمة تبلغ نحو 5 مليارات دولار، وكذلك الشريحة الثالثة من قرض البنك الدولي، والبالغ قيمتها مليار دولار، من بين 8 مليارات دولار وعد البنك بمنحها لمصر على مدى 5 سنوات». ويرى عبد السلام أن هناك توسعًا كبيرًا في الاقتراض الخارجي خلال 2017، موضحًا أن هذا التوسع يُدخل مصر دائرة الخطر المالي، لافتًا إلى أنه ما لم يتم إعادة تنشيط موارد البلاد من النقد الأجنبي، فإن القروض الخارجية «ستتحول إلى كابوس مرعب للاقتصاد والموازنة العامة وإيرادات الدولة»، على حد تعبيره. إلى أين تذهب الديون؟ يقول عبد الحافظ الصاوي، الخبير الاقتصادي المصري: إن الديون، وأيًا كان مصدرها، «لا ينبغي أن توجه لغير مجالات الاستثمار؛ لتحقق عائدًا اقتصاديًا واجتماعيًا إيجابيًا»، مُستدركًا «إن واقع الديون في مصر يجعل الحديث عن تحقيق تنمية، حاليًا أو مستقبليًا، نوعًا من الخيال لا تبرهن عليه حقائق، ولا تعكسه شواهد من حياة الناس». وبات إنفاق الديون في مصر قاصرًا على ثلاثة مجالات: الأول سد عجز الموازنة، والثاني سداد القروض الخارجية، والثالث زيادة قيمة الاحتياطي النقدي، وهي مجالات لا تحقق تنمية اقتصادية؛ ما يجعل عبء الديون مضاعفًا؛ كونها لا تستخدم في الإنتاج، بل إنها قروض استهلاكية، وهو ما يعكس بطء النمو الاقتصادي للبلاد. هذا، وكان محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، قد قال في مقابلة مع مجلة «الأهرام الاقتصادي» المصرية «إن مصر مطالبة بسداد أقساط عدة قروض في العام الجاري 2017، أبرزها قرض تركي بقيمة مليار دولار، بالإضافة إلى 3.6 مليارات دولار مستحقات متأخرة لشركات البترول الأجنبية العاملة في مصر، وكذلك استكمال سداد ديون نادي باريس البالغة 3.5 مليارات دولار»، كما أن مصر مطالبة بسداد مستحقات ليبيا البالغة ملياري دولار، والمقرر سدادها خلال العام الجاري، إلا أن عامر لم يذكرها. وفي الخامس من يناير 2017، أعلن البنك المركزي المصري عن قفزة قياسية في الديون الخارجية للبلاد؛ لتصل إلى 60.152 مليار دولار، بنهاية الربع الأول من العام المالي الجاري، أي ما بين يوليو وسبتمبر ، بعد أن كانت 46.148 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام المالي السابق؛ ما يعني ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنحو 14 مليار دولار خلال عام. وفي نفس اليوم، أظهرت النشرة الشهرية لنوفمبر الصادرة عن البنك المركزي، وصول إجمالي الدين العام المحلي للبلاد، إلى 2.758 تريليون جنيه (152.3 مليار دولار) بنهاية سبتمبر ، مقارنة ب2.619 تريليون جنيه بنهاية يونيو ، وذلك بارتفاع نسبته 5.3%. ويذكر أن السنة المالية في مصر تبدأ من أوّل يوليو ،وتنتهي في 30 يونيو . وتكشف هذه الأرقام عن أن الدين العام المصري وصل إلى 3.8 تريليونات جنيه؛ وهو ما يعني أنه قد تجاوز الناتج المحلي الذي سجل 3.2 تريليونات جنيه؛ لتكون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي نحو 118% من الناتج المحلي، وبالرغم من ارتفاع هذه النسبة، إلا أنه من المتوقع أن تسجل قفزة أكبر في الربع الثاني من العام المالي الجاري؛ وذلك لأن الحكومة قد توسعت بالاقتراض خلال الأيام الماضية.