قبل ثلاثة أيام كتبت فى هذه الزاوية سيناريو تخيلت حدوثه من بعض أصحاب "الشو الإعلامى" المحترفين إذا حدث، وتم انتخابهم فى اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، وقد حدث ما توقعته بصورة شبه متطابقة مع عدد قليل ممن رتب "اللعبة"، فقد بدأ عمرو حمزاوى "التسخين" بالقول إنه سيعود إلى مَن انتخبوه؛ لكى يُجرى استبيانًا يعرف رأيهم فى بقائه أو استقالته، ثم بعد يوم واحد أتاه الاستبيان ونتائجه التى لم يعلنها، وقرر أن ينسحب من اللجنة، وكانت كل المبررات التى ساقها للانسحاب معروفة سلفًا، ولم يكتشفها عمرو فجأة، ومن ثَم كان بوسعه الامتناع عن الترشح من البداية ليريح ويستريح، كما أننى شخصيًّا من الدائرة التى انتخبت عمرو حمزاوى دائرة مصر الجديدة ومع ذلك لم يستشرْنى أحد، ولم أعرف عددَ مَن صوتوا على استبيانه الظريف، وكم عدد الموافقين على بقائه وكم عدد الرافضين وعلى أى أساس علمى أو ديمقراطى أو أخلاقى أجرى هذا الاستبيان المزعوم؟، كما لا أفهم لماذا لم يلجأ إلينا بديمقراطيته اللذيذة قبل الترشح للجنة وقبل انتخابه، هل لأن "البمبة" وقتها ستكون ضعيفة إعلاميًّا ولن تحقق المطلوب، ما فعله عمرو يمثل انتكاسة حقيقية فى مسيرته السياسية وتجعل مَن يتعامل معه مستقبلاً يتعامل بحذر شديد؛ لأنه كشف عن رغبته فى "المَنْظرة" الإعلامية وليس المشاركة الجادة والأمينة مع النفس والوطن والناس، وأنه يمكن أن "يبيعك" بعد خُطوتين فقط من بداية المشوار إذا كان "الثمن" الإعلامى مجزيًا ! على اللجنة التأسيسية أن تصعّد البدائل المنتخبة ديمقراطيًّا على الفور مكان مَن قدموا استقالاتهم، فمصر ودستورها ومستقبلها لن يتوقف على شخص أو مجموعة أشخاص أيًّا كانوا، كما أن اللجنة الدستورية يتمثل فيها شخصيات قانونية وسياسية وافرة الخبرة والاحترام، كما أنها تمثلت من معظم ألوان الطيف السياسى والدينى والمهنى، وأما مسألة أن نسبة مشاركة الإسلاميين فيها أعلى من غيرهم فتلك بديهية، فليس معقولاً أن يشارك حزب رفعت السعيد الذى لم يحصل على واحد فى المائة من أصوات الشعب المصرى، على نسبة تمثيل تساويه بحزب النور مثلاً، الذى حصل على أكثر من 25% من أصوات الشعب المصرى! ، كما أننا لسنا فى مواجهة عملية تصويت على دستور من خلال تلك اللجنة، وإنما على عمل علمى وقانونى مكثف لكتابة نص دستورى نعرضه على الناس؛ لكى يصوتوا عليه ويختاروه أو يرفضوه، فممن يخاف الخائفون؟، هل يخافون ممن يكتبون النص أم يخافون من الشعب المصرى نفسه الذى سيقرر ويحسم، وإذا كان هؤلاء "الهامشيون" يقلقون من تحيّز الإسلاميين فى صياغة الدستور، فلماذا يقلقون من تصويت الشعب الذى بيده "مِفتاح" الدستور؟!، باختصار ، ما يحدث هو رغبة "ديكتاتورية" عارمة من نخبة صغيرة، ليس لها حضور شعبى لكى تفرض إرادتها على الشعب المصرى كله، وتفرض عليه ما تريده هى وليس ما يريده الشعب. المشاركون فى اللجنة التأسيسية للدستور عليهم مسؤولية تاريخية فى صياغة نص دستورى، يحقق أشواق مصر وشعبها للعدالة القانونية والاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية والتعددية والحق فى الاختلاف والفصل بين السلطات وضمانات كافية للحريات العامة وسيادة حقيقية للقانون وقضاء مستقل وحصانة لا تُمس للقواعد الديمقراطية، بما فيها ضمانات شفافية الانتخابات بجميع صورها ودرجاتها ، كما أن أحزاب الأغلبية عليها مسؤولية أخرى بالتوازى مع ذلك الجهد، وهى مسؤولية الاضطلاع بحوار وطنى موسع خارج اللجنة مع كل القوى الوطنية فيما يخص الدستور الجديد ، وخاصة القوى التى شاركت فى الثورة وضحّت فيها ، من أجل إزالة أى التباس أو مخاوف ومن أجل توصيل رسالة للجميع بأن الدستور الذى يتم إعداده ليس دستور التيار الإسلامى ، وإنما دستور الوطن كله ، وليس دستور الأغلبية البرلمانية الحالية ، ولكنه دستور حماية وتعزيز الديمقراطية فى مصر لنصف قرن مقبل بإذن الله . [email protected]