وسط دعوات بضم الاقتصاد غير الرسمي من قبل نواب البرلمان، تجاهل الجميع خطة الهيكلة التي أعلنت عنها الحكومة في العديد من المناسبات بمختلف وزرائها السابقين والحاليين، حتى بعد أن أصبحت تشكل عبئًا ماليًا على خزانة الدولة نتيجة لتحقيقها لخسائر مالية كبيرة تجاوزت مليارات الجنيهات. وتقوم الدولة بصرف رواتب العاملين عبر إعانات ومرتبات سارية رغم توقف غالبية هذه الشركات عن العمل وإغلاق البعض منها، وسط تجاهل الدولة وضع أية حلول جذرية وانشغالها بدعم قطاعات رجال الأعمال من الصناعة والسياحة والاستثمار. وتتضمن الشركات المتوقفة والمتعطلة جزئيًا كلاً من "المراجل البخارية، والنصر للسيارات، وسيمو للورق، وطنطا للكتان والنقل والهندسة، والأهلية للصناعات المعدنية، ومطابع محرم بك بالإسكندرية"، بالإضافة إلى توقف عدد من الشركات بشكل جزئي مثل "راكتا، والقومية للأسمنت، وفستيا، والكوك، وسيجوارت، والنصر للأسمدة، والدلتا للأسمدة، ومصر إيران للغزل، والشركة العربية، وبوليفارا، وميتالكو، والنصر للمواسير، والنصر للمطروقات"، مما يحرم الدولة من مصدر دخل حقيقي ومساهم في تطوير الاقتصاد ويكلف خزانة الدولة ملايين الجنيهات. طالب المهندس طارق زيدان، خبير تطوير وإدارة المشروعات، اللجنة القائمة على حصر الأصول غير المستغلة بالقطاعات والوزارات المختلفة من سرعة الانتهاء من العمل الموكلة به، حتى يتم تعظيم الاستفادة من تلك الأصول وتخطي التعثر الاقتصادي الذي تعاني منه مصر في الفترة الحالية، خاصة أن شركات القطاع العام تعاني منذ فترة من ضعف مستوى العاملين بها نتيجة إغفال القائمين عليها من القيام بأي تطوير، مع زيادة في حجم الديون الخاصة بها. وقال زيدان، إن الدولة عليها أن تولي اهتمامًا خاصًا بشركات القطاع العام وما يتبعها من أصول غير مستغلة، والتي من ضمنها الأصول التابعة للشركات القابضة بمختلف مجالاتها ومن بينها "الغزل والنسيج، الأدوية والكيماويات، القابضة للسياحة والفنادق والسينما، القومية للأسمنت، القابضة للتشييد والبناء، القابضة للنقل البري والبحري"، حيث إن عدد العاملين في تلك الشركات قد تجاوز، وفقاً لآخر تقرير، 500 ألف عامل، وهو ما يستدعي وضع خطة مدروسة حتى لا تتم الإطاحة بحقوق هؤلاء العاملين. من جانبه، أكد الدكتور عز الدين حسانين، الخبير الاقتصادي، أنه من المفترض أن إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال من أولويات التطوير بالنسبة للحكومة، لكن تعطل الدولة عن البدء يرجع إلى نقص السيولة المحلية والأجنبية الضرورية لإعادة تشغيل هذه المصانع التي تحتاج إلى آلات ومعدات جديدة ومستلزمات إنتاج وقطع غيار وكلها للأسف مستوردة، فالقطاع العام يحتاج ما لا يقل عن 20 مليار دولار لإعادة تطويره ويحتاج ما لا يقل عن 200 مليار جنيه لإعادة تشغيله بخلاف تغيير الإدارة لمعظم هذه الشركات، وتسديد المديونيات الضخمة المستحقة للبنوك والجهات الحكومية ووجود فشل إداري وفساد وخسائر وعماله مترهلة. وأوضح في تصريح خاص ل"المصريون" أنه في ظل هذه المشكلات المتعددة وعدم قدرة الدولة المالية في الوقت الحالي للتطوير قد تذهب إلى بيع حصص من بعض هذه الشركات لمستثمرين أجانب من أجل ضخ أموال جديدة داخل هذه المؤسسات والشركات. وشدد حسانين، على ضرورة وجود خطة حقيقية للتطوير تتضمن تحويل المديونيات المستحقة على هذه الشركات لصالح جهات حكومية وبنوك محلية إلى أسهم مشاركة لهذه الجهات، وبالتالي تسقط معظم هذه المديونيات، بجانب إعادة تقييم أصول هذه الشركات بالقيمة السوقية وزيادة رأسمالها بقيمة التقييم الجديد، والذي سيتجاوز التريليون جنيه، بدلاً من مليارات فقط، وأيضا بيع بعض الأراضي التابعة لهذه الشركات وتقدر بآلاف الأفدنة، ويمكن أن تدر عوائد بالمليارات تساعد هذه الشركات على تطوير نفسها ذاتيًا، ورفع رؤوس أموالها، والاستعانة بإدارة احترافية والعمل بنظام الإدارة بالأهداف على أن تتم المحاسبة للإدارة كل ثلاثة أشهر. وتابع حسانين: "الخصخصة ليست هي الحل، والحلول والبدائل المتاحة عديدة لتطوير هذه الشركات وإعادتها للعمل ومساهمتها في الإنتاج للاقتصاد الوطني والتصدير، فهذه الشركات تستطيع إعادة التوازن من جديد لسوق العمل والإنتاج وجذب عملة صعبة من التصدير". وفي السياق نفسه، يعتقد الدكتور على عبد العزيز، أستاذ إدارة الأعمال بجامعة الأزهر والخبير الاقتصادي، أن النظام السياسي الحالي يتجاهل حقيقة أي تطوير في الاقتصاد المصري ويتبع طرقًا فاشلة في إدارة موارد الدولة من القطاع العام عبر خصخصة بعض الشركات وبيعها بأسعار منخفضة لإرضاء صندوق النقد الدولي فقط، وهو يسعى لأن تكون هذه الشركات خاسرة حتى يجد مبررًا للخصخصة. وأوضح، في تصريح خاص ل"المصريون"، أن النظام الحالي يؤهل قطاعًا وحيدًا ليدير اقتصاد الدولة عبر شركاته دون السماح بوجود منافسة حقيقية، وبالتالي يتم القضاء تدريجيًا على شركات القطاع الخاص وشركات قطاع الأعمال لينفرد هذا القطاع بالسوق وحده، مشيرًا إلى أن استمرار الأوضاع الحالية كما هي قد تسبب إصابة المصريين بالجوع والمرض والحرب، ومن الممكن أن يتبع النظام الحالي نظرية "بيع ما تريد لم يملك سلطة أو نفوذ عليها".