الإرهاب خطر مفروض وليس حالة طارئة أو مؤقتة، وأصبح ظاهرة خطيرة في حياة المجتمعات الإنسانية، والإرهاب ليست له هوية أو عقيدة أو انتماء إلى بلد معين حيث يوجد عندما توجد أسبابه ومبرراته دون النظر للمكان أو الزمان أو اللغة أو الدين، فقد ضرب الكنائس كما ضرب المساجد، وضرب دول عربية وإسلامية كما ضرب دول أوروبية والولايات المتحدةالأمريكية، ولا يوجد اتفاق أو تحديد واضح لمفهوم الإرهاب في الفكر السياسي العالمي المعاصر، فقد عَرّفت الأممالمتحدة الإرهاب الدولي بأنه استخدام العنف غير القانوني أو التهديد به لتحقيق هدف سياسي معين، كما يُعَرفه علم الاجتماع السياسي بأنه كل تصرف أو سلوك بشري يستخدم قدر من القوة في التعامل مع إدارة العلاقات الإنسانية للاختلافات في المجالات الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية بهدف تحقيق أهداف معينة، وهذا السلوك غير السلمي يحدث بين الأفراد أو الجماعات أو السلطات بعضها تجاه بعض داخل مجتمع معين أو بين مجتمعات ودول، والإرهاب يكون في بعض الأحيان فعل لكنه في غالب الأحيان يكون رد فعل، حيث اكتسب الإرهاب أبعاده بصيغته الحالية من خلال الأزمات السياسية والاقتصادية والفكرية التي يمر بها النظام العالمي. ترجع أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب إلي مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية سواء علي المستوي المحلي أو الدولي، فعلي المستوي المحلي المشكلات الاقتصادية وسوء توزيع الثروة واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء تخلق شعور بالحرمان والتهميش لدي الطبقات الضعيفة وتفرز حالة من الغضب والحقد تجاه فئات معينة في المجتمع وتولد السلوك العدائي والعنف وردود الأفعال الإرهابية، وزيادة معدلات البطالة بين الشباب تولد لديهم الشعور باليأس والإحباط مما يجعلهم فريسة للجماعات المتطرفة، أما الأسباب السياسية ترجع إلي السياسات غير العادلة التي تمارسها بعض الأنظمة ضد مواطنيها، وتهميش بعض الفئات أو التيارات وانتهاك الحقوق والحريات وبما يشعرهم بالقهر السياسي، وهناك أسباب اجتماعية تعود إلي تفكك الأسر وانتشار الأمية والجهل وعدم الاهتمام بالأبناء، حيث يترك ذلك أثرا سلبيا في نفوس الأبناء ويحولهم إلي أطفال شوارع ويجعلهم عرضه للانحراف والاستغلال من قِبل بعض الجماعات الإرهابية، أما الأسباب الإيديولوجية منشأها الانقسامات الفكرية بين التيارات المختلفة في المجتمع والتعصب لمبدأ فكري أو ديني واستعمال العنف لفرض هذا الفكر على المجتمع، وربما يسعى أصحاب هذا الفكر إلى محاولة الوصول إلى السلطة لتسهيل نشر تلك المبادئ وتطبيقها، أما علي المستوي الدولي فالاعتداء على سيادة الدول والإضرار بمصالحها وتحيز النظام السياسي الدولي إلي الدول العظمي وعدم اتخاذ إجراءات بشأن مخالفاتها والانتهاكات التي تقوم بها ضد دول معينة، وحالات الصراع الذي تشهده الساحة السياسية الدولية، والتطور غير المتكافئ بين الدول المتقدمة والدول التي تسعى إلى النمو يساهم في ارتكاب أعمال إرهابية تعبر عن حالة الرفض للاستغلال والاستعمار الدولي، وأيضا السياسات المالية المتبعة من قبل المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي من خلال برامج الإصلاح الاقتصادي والتي يؤدي تطبيقها في معظم الأحيان إلى سوء توزيع الدخل وتدهور القدرة الشرائية واتساع مساحة الفقر. والسؤال المطروح هل يمكن نجاح الحرب علي الإرهاب والقضاء عليه؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نجيب أولا عن التساؤلات التالية: هل يمكن القضاء علي الإرهاب في ظل استمرار العشوائيات بمعاناتها المعيشية وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، حيث يعيش سكانها الحرمان من أدنى حدود الحياة الإنسانية الكريمة، ويعيش السكان فيها حياة قاسية فلا يوجد ماء صالح للشرب، ولا يوجد صرف صحي، ولا توجد مستشفيات، ولا توجد مدارس، ومعظم سكان العشوائيات من العمالة الموسمية التي لا تتمتع بتأمين صحي ولا يوجد لديها دخل ثابت. هل يمكن القضاء علي الإرهاب مع استمرار موجات الغلاء والارتفاع المستمرة لأسعار السلع والخدمات واحتكار بعض السلع واختفائها من الأسواق، وزيادة أعباء ومعاناة الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل مع خفض قيمة العملة المحلية وانخفاض قوتها الشرائية وزيادة معدلات التضخم، مما أدي إلي زيادة معدلات الفقر. هل يمكن القضاء علي الإرهاب مع استمرار ارتفاع معدل البطالة ووجود أكثر من 3.6 مليون شاب في مصر قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ولا يجد فرصة عمل له، وتعد البطالة تربة خصبة لظواهر العنف والاضطراب الاجتماعي، وتؤدي إلي انتشار أمراض اجتماعية تتسبب بانحرافات أخلاقية وسلوكية من شانها زيادة معدل الجرائم والإدمان للمخدرات. هل يمكن القضاء علي الإرهاب في ظل وجود بعض القيود والإشكاليات حول حرية الرأي و التعبير بالرغم من منح الدستور مساحات أوسع لحرية التعبير عن الرأي و تداول المعلومات و حرية البحث العلمي والفكر والاعتقاد. هل يمكن القضاء علي الإرهاب مع استمرار الانتهاكات لحقوق الإنسان واستخدام العنف والتعذيب في أقسام الشرطة والسجون وتعدد أشكال الاعتداء وإهدار الكرامة للمواطنين. هل يمكن القضاء علي الإرهاب في ظل استمرار فوضي الخطاب الإعلامي وفوضي الخطاب الديني والفتاوى المتشددة، حيث تؤدي تلك الفتاوى إلي خلق جيل مشوه علميا ودينيا وتدفعه إلي التطرف واستخدام العنف باسم الدين. هل يمكن القضاء علي الإرهاب مع استمرار محاولة الإقصاء بحق جماعة أو مكوّن اجتماعي، فهذا الإجراء يناقض الفكر الديمقراطي، فمن مبادئ الديمقراطية ألا يغلق باب الحوار والتفاهم أمام جماعة أو حزب أو أي مكون من مكونات المجتمع. هل يمكن القضاء علي الإرهاب بعد أن سقطت العراق وقُسمت إلي سنه وشيعه وأكراد، وانهيار ليبيا وصدام الفصائل المسلحة للسيطرة علي السلطة، وما تشهد سوريا بكل ما تتعرض له من مخاطر وقتل وتجويع وتعذيب وحرمان وهجرة، وما يتعرض له اللاجئين من معاناة في معظم دول العالم. هل يمكن القضاء علي الإرهاب في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للفلسطينيين، ونظرة المجتمع الدولي إلي حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في الدفاع عن أرضه ونضاله من أجل إقامة دولته علي أنها عمليات إجرامية وإرهابية، وتصنيف ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي علي أنها عمليات دفاع مشروع عن النفس. لعلاج ظاهرة الإرهاب يجب تحديد الأسباب التي أدت إلي ظهوره وانتشاره والعمل علي علاجها، ولكي نحقق الأمن ونقضي علي الإرهاب ونعالج الأسباب يجب أن نقيم العدل، فلن يكون هناك امن بدون تحقيق العدل الشامل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري سواء علي المستوي المحلي أو الدولي، فعندما تولي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخلافة حكم فعدل فأمن فنام.