إن تصوير الانتخابات بأنها الحل هو نوع من أنواع التضليل السياسى لأن الانتخابات آلية لمعرفة رأى الناس ولايمكن أن تكون هدفاً يبُتغى لذاته، فيمكن أن تؤدى الانتخابات إلى اختيار حاكم يحكم الناس بما يؤمنون به، ويمكن أن تكون الانتخابات من أجل اختيار نواب عن الأمة ينوبون عنها فى الرأى والمحاسبة.. ونظراً لحرمان الأمة من حقها الطبيعى فى أن تختار ممثليها أو تختار حاكمها فى ظل الأنظمة القمعية أصبحت مسألة حق الإختيار للأمة عن طريق الإنتخابات مسألة يتوق لها الجميع، ولكن من الخطأ بل من التضليل أن تصور الأحزاب وجماعات العمل السياسى للأمة أن الحل فى الانتخابات، وبالتالى تدفع الناس دفعاً إلى صناديق الاقتراع ليختاروا ممثليهم فى جو طبيعى دون قمع أو تزوير وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ثم يكتشفون بعد ذلك أن من وقع عليهم الاختيار لايملكون من أمرهم شيئاً، وأن وجودهم فى الأماكن التى اختيروا فيها لايقدم ولايؤخر بل ربما يكونون عقبة أمام التغيير الحقيقى. أثناء الثورة قامت الأحزاب السياسية بتصوير الانتخابات للناس بأنها الحل وأن الناس أمامها الفرصة لتقول كلمتها، وكان هذا مبرراً لهذه الأحزاب كى تغسل يدها من الحالة الثورية وتغادر الميدان وعينها على البرلمان، وكلما تقاعسوا أو قصروا فى قول كلمة الحق، كانت ادعاءاتهم أنهم لايريدون تضييع فرصة الانتخابات ولايريدون أن يحرموا الأمة من قول كلمتها، بل وصل الأمر بالبعض أنهم أطلقوا "غزوة الصناديق" فى الاستفتاء على الإعلان الدستورى الذى كان طامة كبرى لمن يقرأ مواده ثم أتت الانتخابات البرلمانية التى أزاحت الدكتور سرور ورجالاته وأتت بالدكتور الكتاتنى ورجالاته، وفى كلتا الحالتين بقى النظام هو النظام دون تغيير فى الأفكار. والسؤال المطروح مافائدة الانتخابات إذا كان سلطان الأمة ليس بيدها؟ والجواب سهل مع أنه كارثى فى ذاته، فبعد أن كان اختيار الأشخاص يتم من قبل بالتزوير ورغماً عن الأمة، أصبح اليوم يتم باختيار الأمة ورأيها ولأن النظام بقى كما هو دون تغيير فيكون اختيار الأمة قد أضفى شرعية للنظام القائم على نفس الأفكار.. وحين تُدفع الأمة دفعاً إلى صناديق الاقتراع قبل إسقاط النظام، أى فى ظل فقدان الأمة لسلطانها الذى مازال بيد أعدائها، لايعنى هذا سوى أن التغيير قد تم فرضه على الأمة ولم تفرضه الأمة نفسها. إن التغيير الحقيقى لايمكن أن يحدث إلا بإسقاط النظام الفعلى، وإسقاطه يعنى التخلص من الأساس القائم عليه فكرياً والتخلص من دستوره الذى يكرس سلطان الأمة بيد أعدائها والتخلص من كل العملاء الذين يقومون نيابة عن الكافر المستعمر بتطبيق هذا النظام، فإذا سقط النظام نكون قد انتزعنا سلطاننا من يد أعدائنا وعندها يكون الذهاب إلى صناديق الاقتراع منتجاً لأنه سوف يفرز رجالاً يحكموننا بنظام جديد يُعبر عن هويتنا بدستورٍ مصدره الكتاب والسنة ليكون التغيير حقيقياً، فرضته الأمة وليس مفروضاً عليها. [email protected]