كل صباح فى الشوارع نتسابق فى محاولة يائسة للوصول الى مصانعنا وأماكن عملنا فى مواعيد العمل الرسمية، وهو ما يشبه المستحيل طوال أيام الدراسة، ونحن غرباء رغم التشابه الكبير بيننا فى الملامح التى حفرت فيها الهموم مغارات، وشيبتها الكوارث والأزمات، فقدنا القدرة حتى على الشكوى وألجمنا ماراثون لقمة العيش وما أدراك ما لقمة العيش، وأعيانا تخطى حواجز وتلال القمامة التى تعلوها القطط والكلاب و ترعى من حولها الأغنام ، وقد أصبحت هذه التلال علامات مميزه للشوارع والحارات ولم يعد هناك فرق بين المناطق الراقية والعشوائيات، لقد ملت أذنى من سماع وصلات التذمر اليومى من أصحابى الذين لا أعرفهم ونحن نجرى للأمام والخلف كمن يسعى بين الصفا والمروة، نلهث خلف المواصلات ونستعطف سائقى الميكروباصات من أجل توصيلنا دون ابتزاز - رحمة بنا – فينظرون الينا شذرا دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء الرد! .. وقبل أن تتورم أقدامنا من طول الوقوف تلوح فى الأفق بشائر الأمل وتتجه الأنظار الى رجل ينزل من سيارة شرطة فارهة لا يُرى عليه أثر الهموم، ولا يعرفه منا أحد ، وحوله بعض أمناء الشرطة، نهرول اليه ونترجاه أن يتدخل لحل أزمة المواصلات وأزمة المرور، ويرحمنا من ابتزاز السائقين ، فيعرض عنا معتذرا بأن المشكلة أكبر منه ، فنتولى وأعيننا تفيض من الدمع ، حقا غرباء فى وطن أبى أن يحتوينا كأننا من التتار أو المغول ، فما الذى يربط بيننا وبين هذا الوطن الذى حيل بيننا وبينه أوحتى بين بعضنا البعض فيه،لا شىء يجمع بيننا الا تشردنا الفريد والبؤس فى وطنى المكبل نصف قرن فى الحديد، كم أستحى عندما يحكى لى أحد أقاربى الهاربين الى اوروبا كيف يعيش غربته هناك .. كيف يعامل .. وكيف يعالج .. وكيف يحصل على الأجر المناسب لما يؤديه ، فيعيش به حياة كريمة ويسكن فى مسكن لائق ويشرب مياه غير ملوثة ويأكل طعاما خاليا من المبيدات المسرطنه ، ليعود بعد سنوات قليلة وقد حقق ما لم يكن ليحققه فى وطنه لو عمَّر مثل نوح عليه السلام ،حقا مفارقة عجيبة بين شاب يطفوا على شاطىء دولة أجنبية شبه ميت يتسلل اليها كالغزاه ،ليس معه جواز سفر ولا مال ولا يملك من حطام الدنيا غير ملابسه المشبعة بالماء المالح ، فلا يمر الا قليل حتى يحصل على وسام الانسانية وينضم الى طائفة الآدميين، وبين من يعيش فى وطنه ميت وما هو بميت ،يصوم الدهر ويعانى فى الحصول على بصلة ليفطر عليها. فهل مشاكلنا قد استعصت على الحل!؟وهل مشاكلنا فى انعدام الامكانيات !؟ أم لعدم وجود القادرين على الحل !؟ أوبسبب أغلال الروتين الذى اخترعناه ثم أسلمنا له أعناقنا ؟ وهل هناك أمل فى نجاح الثورة فى ظل استمرار هذا الروتين،متى ننجح فى تحطيم أصنام الفساد وكسر أغلال هذا الروتين العقيم!؟ الأمر لا يحتاج الى امكانات بقدر ما يحتاج الى تغيير سياسات وتفعيل الشفافية التى نرددها ولا نطبقها حيث يحتاج تطبيقها الى الاسراع بمحاسبة المفسدين وتحقيق العدالة بكل معانيها وارساء مبدأ الثواب والعقاب وتوسيد الأمر لأهله باعتبار المسئولية أمانة وتكليف وليست تشريف أوسيلة للتربح والثراء الغير مشروع.