يبدو أن ظلم النظام المصرى السابق قد نال كل شىء، حتى الخط العربي، الذى ظُلم هو الآخر فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك!! ظُلم بالإهمال، وظلم بالتضييق على مدارس الخطوط، على الرغم من أن الخط العربى من آليات حفظ الهُوية الثقافية والحضارية للعرب والمسلمين، فمن خلاله نُقِل الوحى المعصوم (القرآن والسنة الشريفة) إلى الأجيال المتعاقبة ليصل إلينا، كما أراده الله القدير.. وفى هذا الوقت من تاريخ أمتنا فى ظل التحول الرائع الذى يحدث فى بلادنا أتمنى أن يعود الخط العربى إلى سابق عصره من حيث الاهتمام به ورعايته، لينمى فى وجداننا الجمال والسمو، ويحافظ على هويتنا وثقافتنا فى ظل طغيان العولمة الثقافية، وظهور أجيال من الحاسبات وأجهزة "الآى باد" مما يهدد بضياع الخط العربى تحت أنام أبنائنا على شاشات هذه الأجهزة، ثم اللغة لا قدر الله، ومن ثم فكاتب هذه السطور بما يملكه من خبرة فى الخط العربى وتدريسه تمتد لنحو 25 عامًا لعلى استعداد تام للتعاون فى إحياء هذا الفن الإسلامى الرائد من جديد سواء فى التخطيط أو فى التنفيذ أو حتى فى برامج تليفزيونية لتعليم الخط العربى للجماهير.. أهمية الكتابة: تعد الكتابة من أهم الطرق التى يستطيع الإنسان من خلالها التعبير عمَّا يجيش فى صدره أو يجول بخاطره.. ويقاس تقدم الشعوب والحضارات بمقدار تقدم وانتشار معارفها وفنونها بالكتابة. إن مجتمعنا العربى والإسلامى يعانى من ضعف خطوط الكثير من أبنائه، فى سنى الدراسة المختلفة، ويقلل من قدراتهم الإبداعية فى مجالات كثيرة، كما أن الموهوبين فى مجال الخط العربى -على ندرتهم- لا يجدون من يشجعهم أو يرعاهم أو يصقل مواهبهم.. ناهيك عن كتابة اللافتات وعناوين الصحف والمجلات فى بلادنا العربية والإسلامية وغيرها بخطوط كمبيوترية جامدة، عبارة عن قوالب نمطية ثابتة مرصوصة، تسهم –مع غيرها- فى نشر الرتابة، وتكاد تقضى على عناصر الإبداع لدى الموهبين فى المجالات الفنية وغيرها.. ولقد كان الخط العربى وسيلة لنقل العلوم والمعارف العربية إلى العالم الآخر قبل اختراع الطباعة، وعليه كان العماد فى دفع الحركة العلمية فى أوروبا التى كانت مظلمة وقت أن كان العرب هم رواد العلوم والفنون والمعارف.. ولا ننسى فضل الخط العربى فى حفظ مقومات الهوية العربية والإسلامية، فعليه كان العماد فى حفظ القرآن كتابةً، منذ عصر سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى عصرنا هذا، وكذلك جمع السنة وعلومها منذ القرن الثانى الهجرى إلى عصر الطباعة، وينطبق القول على كافة علوم الدين الإسلامي؛ لذلك أخذ القدماء خصوصًا من الأتراك والمصريين والعراقيين وغيرهم بجميع الوسائل التى ترتقى بالخط العربى حتى صار فى ذاته فنًّا عالميًّا له مكانته السامقة فى جميع الثقافات، وأصبحت له صور وأشكال وقوالب عديدة، ولا يزال الباب مفتوحًا نحو ابتكار الجديد فى مجال الخط العربى، ولكن ذلك قاصرًا على قلةٍ من الخطاطين.. ولا يستطيع التاريخ أن ينكر براعة المئات من العرب والمسلمين فى فنون الخط العربي.. لقد كتبوا بأناملهم لوحات بالخط العربى تعد من أجمل ما كُتب فى هذا الفن، فهناك الفنان محمد عبد القادر، رحمه الله، التى تعد كتاباته فى الخط الديوانى أفضل ما كتب على وجه الأرض.. وهناك الرواد من أمثال: عثمان طه، ومحمد حسنى وعبد الرازق سالم ومحمد إبراهيم ومحمد حمام وفوزى عفيفى وخضير البورسعيدى، وهاشم البغدادى، وصالح العلى وغيرهم كثير.. هؤلاء وغيرهم متعوا ناظرينا بلوحاتهم الخطية الماتعة، التى تكشف عن مواهب عملاقة وقدرات خلاقة أبهرت الدنيا.. كما أنهم علَّموا أجيالا من العرب والمسلمين هذا الفن الرفيع، لينشروه ويعلموه للتلاميذ فى المدارس الابتدائية منذ نعومة أظافرهم، لتظل لبلادنا الريادة والقيادة... وفجأة ومن دون سابق إنذار وجدنا انحدارًا كبيرا فى الاهتمام بهذا الفن الرفيع، وكأننا اعتبرناه ابنا غير شرعى لنا...!!. وفى الوقت الذى شهدنا فيه تردى الخط العربى (خط المصحف الشريف) فى بلادنا بسبب عوامل كثيرة منها عدم اكتراث الحكومات المتتابعة فى مصر لهذا الفن الإسلامي، وإغلاق مدارس الخطوط العربية والتضييق عليها، ومن ثم القضاء على هذا الفن الرفيع الذى ميَّز الحضارة العربية الإسلامية فى هذا المجال عبر عصورها المختلفة.. فى هذا الوقت نفسه نشهد شغفا وإقبالا ملحوظا من كثير من الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر الشريف لتعلم هذا الفن الرفيع (فى مراكز تعليمية خاصة) باعتباره أحد أركان اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) من ناحية، ووسيلة من وسائل المساعدة فى قراءة وفهم وتحقيق المخطوطات من ناحية ثانية، وإجادته لنشره وتعليمه فى بلادهم المسلمة بعد انتهائهم من الدراسة بالأزهر وعودتهم إليها من ناحية ثالثة.. نداء عاجل: ولما كان الأزهر الشريف وكليات وأقسام اللغة العربية فى الجامعات المصرية والعربية، هى حامية اللغة العربية بعلومها وآدابها وفنونها، يحسن بها رعاية هذا الفن الإسلامى الرفيع (الخط العربي) الذى كاد أن يندثر، وإدراجه ضمن برامج تعليم اللغة العربية سواء لأبناء أهلها أو للناطقين بغيرها، وإشباع حاجات الطالب العربى والوافد ومتطلباته من العلوم والفنون الإسلامية والعربية تحت سقف هذه المؤسسات وتحت سمعها وبصرها وإشرافها. ومن هنا فإن الاهتمام بهذا الفن الرفيع (الخط العربي) -باعتباره مأثرًا من مآثر الحضارة الإسلامية، وفنًّا رفيعًا من أهم وأرقى فنونها لم تَجُدْ الحضارات بمثله- ورعايته، ورعاية الموهوبين فيه، والعمل على إعادة إلى سابق عصره سريعًا من الأهمية بمكان، والبحث عن الآليات المناسبة لتفعيله، لاسيما فى ظل هيمنة العولمة الثقافية على العالم، ومحاولتها الدؤوبة والمستمرة لإذابة الحضارات والثقافات والفنون المختلفة فى بوتقتها والنيل من الخصوصيات الحضارية للشعوب المختلفة، لاسيما الشعوب العربية والإسلامية.. إن ما حدث للخط العربى من اضمحلال وركود بسبب تراكم عوامل كثيرة، يتطلب منا تضافر الجهود؛ لإعادة بعثه وإحيائه من جديد، مستخدمين فى ذلك أحدث وسائل العصر. وعليه فإن نهوض جامعة الأزهر والجامعات العربية والإسلامية وكليات اللغة العربية وأقسامها بتضمين مناهج الدراسة للطلاب العرب وأيضًا الوافدين، مقررات فى الخط العربى والكتابة العربية والزخارف الإسلامية، وأيضًا عقد دورات لتعليم الخط العربى من الأهمية بمكان، ويعد خطوة مهمة على طريق بعث الحضارة الإسلامية وفنونها من جديد؛ والإسهام فى تحسين خطوط أبنائنا العرب والمسلمين فى كل مكان من أرض الله، واكتشاف النوابغ فى هذا الفن الرفيع ورعايتهم، وتنمية قدراتهم، بهدف: - العمل على إحياء فن الخط العربى (خط المصحف الشريع)، وحمايته من الاندثار. - التعريف بأحد فنون الحضارة الإسلامية. - الإسهام فى تحسين خطوط الطلاب فى كل مكان. - تكوين أجيال من الخطاطين المتميزين، الذين يسهمون فى كتابة المصحف الشريف للأجيال القادمة. - العمل على اكتشاف الموهوبين فى الخط العربي. - الإسهام فى تعليم الطلاب وغيرهم -فى شتى المراحل العمرية- الخطوط العربية المختلفة وإجادتها. - إخراج كنوز الخط العربى والتعريف بها. - الحفاظ على هوية الأجيال المسلمة، وربطهم بماضيهم المجيد وبحضارتهم الإسلامية التى أضاءت جنبات الدنيا، فى الآداب والفنون والعلوم الإنسانية والطبيعية. المدير التنفيذى لرابطة الجامعات الإسلامية خبير تدريس الخطوط العربية [email protected]