حفلات تعذيب "برج العرب" و"بنها العمومى" تكرس مأساة آلاف السجناء وتفتح ملف "حياة القبور" انتهاك أبسط حقوق السجناء.. ليالي التعذيب والتكدير ب«السجون والأقسام» أحالتها إلى جهنم.. ومقتل مجدي مكين ناقوس خطر جديد تغريب 250 معتقلًا لجمصة والمنيا تحوّل لسياسة ثابتة للمصلحة.. وعنبر الإعدامات يكرر سيناريو "جوانتانامو" "العقرب" يعاقب الأهالي بتقليص الزيارات وانتهاكات خصوصية سجينات العاشر بتعليمات مباشرة من الداخلية انتقادات دولية لسجل مصر في مجال حقوق السجناء.. وحقوقيون: النظام يعاقب المعتقلين على فشل 11/11 وغياب المحاسبة يفاقم الأزمة
"مسلوب الحرية.. لا ترى النور إلا بأوامر عليا.. نظرات خاطفة في دقائق معدودة لأهلك وذويك".. كل هذا لا يكفي؛ فمسلسل الانتهاكات والتعذيب لا يتوقف أو ينقطع، فالمعتقلون يعيشون في حالة من الرعب والخوف يوميًا خوفًا من زيارات مفاجئة لضباط شرطة وأمن دولة، داخل الزنازين تنذر بحلقة من التعذيب، فقط لمطالبة هؤلاء المعتقلين بحقوقهم المسلوبة التي ينص عليها القانون والدستور. "منحهم الحق في رؤية ذويهم، الخروج للتريض، رفض التعذيب، وعدم انتهاك الخصوصية".. هي المطالب التي نادي بها المعتقلون الذين شهدوا أسبوعًا حافلاً من حفلات التعذيب؛ نتيجة تلك المطالب سواء داخل السجون المختلفة بداية من سجون القاهرة بطره وحتى سجون الإسكندرية ببرج العرب، بالإضافة إلى أقسام الشرطة التي شهدت انتهاكات عدة لحقوق المحبوسين احتياطيًا. وزادت أحداث سجن برج العرب الأخيرة الطين بلة؛ حيث شنت أجهزة الأمن هجمات بالغاز المسيل للدعم والهراوات المكهربة وشن حملات تعذيب ممنهجة ضد السجناء، فضلاً عن منع الزيارات، ووضع قوائم محظورات جديدة على حقوق السجناء عمّق مأساة السجناء، وهو ما تكرر بشكل كربوني داخل سجن بنها العمومي؛ ليؤكد أن السلطة لا تترك فرصًا لإذلال السجناء والتنكيل بهم إلا وأقدمت عليها وحولتها لسياسة ممنهجة. ودفعت هذه الإجراءات القمعية والإذلال المتعمد للنزلاء وعدم الاكتفاء بما يعانونه من ظروف قهرية "المصريون" لرصد هذه الحالات ربما يستفيق المسئولون لإعطاء هؤلاء المعتقلين أقل الحقوق التي يطالبون بها.
تعذيب ببرج العرب كانت نهاية الأسبوع الماضي حافلة داخل السجون، وكان أشد هذه السجون اشتعالًا هو سجن "برج العرب" الذي أدى في النهاية إلى قيام إدارة السجن بتغريب ما يقرب من 250مسجونًا إلى سجن المنيا وجمصة، بعيدًا عن ذويهم، وجاء ذلك نتيجة لتجمهر الأهالي أمام سجن برج العرب وقطع الطريق، للاحتجاج على الأوضاع التي يشهدها السجن، من انتهاكات لذويهم والاعتداءات المنتظمة عليهم. وروى أهالي المعتقلين، أن الأزمة بدأت في الاشتعال منذ يوم الإثنين الماضي بعد قيام المعتقلين داخل عنابر الإعدام بالهتاف تنديدًا بسوء معاملة أمن السجن لهم وتهديدهم أكثر بتنفيذ أحكام الإعدامات بحقهم؛ فضلاً عن حفلات التعذيب والحبس الانفرادي وأنه ليس أمامهم إلا الاستجابة الطوعية لذلك وإلا واجهوا عواقب وخيمة، ليقوم أحد الضباط ويدعى عمرو عمر بالاعتداء على أحد المعتقلين بالعنبر وسحله وضربه برفقة عدد من العساكر، مما أدى إلى إصابته بجرح عميق بالرأس ثم تم نقله إلى مستشفى السجن. وسرعان ما انتقل الخبر إلى باقي العنابر فبدأ السجن بالهتاف والتخبيط على أبواب الزنازين والاستغاثة لإنقاذ معتقلي عنبر الإعدامات من الانتهاكات، ليتم منع كل العنابر من الخروج للتريض. وأكمل الأهالي روايتهم أنه في صباح يوم الثلاثاء الماضي دخل الضابط عمرو عمر للمعتقلين واعتدى على أحد المعتقلين يدعى "علاء السيد" وإصابته بإصابات بالغة في وجهه، مما أدى إلى هياج المعتقلين لترتفع أصوات السجن بالهتاف والخبط على الزنازين، وتم استدعاء فرقة من القوات الخاصة برفقة الضابط عمرو عمر لاقتحام عنبر 21 الذي تمنع على الاقتحام عدد من الساعات. وبعدها تم إطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع على العنبر لإجبار المعتقلين على فتح الزنازين، مما أدى إلى حالات اختناق بين المعتقلين وتدهور حاد في حالاتهم الصحية وتعرضهم لإغماءات طويلة دون وقوع أي وفيات.
لدغات العقرب واستمرارًا للانتهاكات والتكدير للمعتقلين وذويهم، فقد قررت إدارة سجن العقرب، في انتهاك صارخ للقانون وحقوق الإنسان المنصوص عليها في لائحة تنظيم السجون، تقليص وتقييد أعداد الزيارات من أهالي المعتقلين إلى 15 زيارة يوميًا فقط. وهو ما أعلنه المحامي الحقوقي خالد المصري، والمسئول عن قضايا عدة للمعتقلين داخل العقرب، واصفًا ذلك ب"الإجراءات الفاشية". وأضاف المصري في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن هذه الإجراءات تعد عقابًا لأهالي المعتقلين بسجن العقرب، بعد الدعوات الخاصة بثورة الغلابة في 11/11 التي خرج بها النظام لتحقيق مكاسب لتمرير قرض صندوق النقد، ويأتي في النهاية بأثر سلبي على المعتقلين. وتابع المصري أن ذلك سيعود أثره من خلال ترحيل جميع الكشوف الحاجزة للزيارة في الأيام القادمة سوف يحدث فيها تعديلات شديدة حيث لن يتم أخذ سوى أول 15 اسمًا فقط والباقي سوف يرحل على اليوم الذي يليه وأسماء هذا اليوم سوف يتم ترحيلها ليوم آخر. ليكون هذا القرار زيادة من معاناة الأهالي لاضطرارهم المبيت ليلاً أمام أبواب السجن في ليالي الشتاء، قبل موعد الزيارة بساعات طويلة لضمان الحجز اليومي في كشف الزيارات الذي تم تقييد عدده ليصل ل90 زيارة أسبوعية فقط ل90 معتقلاً فقط وعلى الباقين انتظار دورهم في الزيارة بعد أشهر بشكل يعيد للأذهان إغلاق مبارك للسجون خلال سنوات المواجهة مع الجماعة الإسلامية والجهاد. على الرغم من وجود أكثر من ألف معتقل محبوس داخل سجن العقرب، كما وثق تقرير هيومان رايتس ووتش الأخير "حياة القبور" حول الأوضاع في سجن العقرب.
كاميرات العاشر أما عن أقسام الشرطة فلم تخل هي الأخرى من الانتهاكات؛ حيث كشفت ماهينور المصري، المحامية الحقوقية، عن قيام إدارة قسم أول العاشر من رمضان بتركيب كاميرات في الحجز الخاص بالسيدات، مما أحدث أزمة بعد رفض السيدات تركيب تلك الكاميرات، وهو ما استدعى تدخل رجال من المباحث لتهديدهم وضربهم. وأضافت المصري أن غرفة الحجز التي تقبع فيها هؤلاء السيدات لا يوجد بها أبواب تغلق في المنطقة المخصصة «لدورة المياه»، وهو ما وصفته بالانتهاك السافر لحقوق خصوصية البشر. وأوضحت عن وجود حالات عديدة من التحرش الذي يحدث من جانب الضباط المكلفين بالتأمين والسيدات داخل غرف الحجز واصفة إياها ب"المرعبة". وأشارت المصري إلى أن الشكاوى التي يتم إرسالها إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان لا يتم النظر فيها، قائلة: "في الأغلب مش هنقدر نعمل حاجة كالعادة.. يعني ولا سياسيين بيعملولهم حاجة ولا جنائيين بيعملولهم حاجة".
ضحية الأميرية وفي قسم "الأميرية" تم تعذيب المواطن "مجدي مكين خليل" بائع سمك البالغ من العمر خمسين عامًا حتى الموت داخل القسم على يد أحد الضباط، وذلك نتيجة لمشادة بينه وبين نقيب شرطة بالقسم، حيث استقل بعدها مجدي سيارته "الكارو" للعودة إلى بيته بالقصيرين بمنطقة الزاوية الحمراء مساء الأحد الماضي، ليقوم النقيب في صباح اليوم التالي، بالاعتداء عليه وقام باصطحابه إلى قسم الشرطة، حتى علمت أسرته صباح الإثنين بوجوده بمستشفى الزيتون جثة هامدة، ليقوم ذووه، فورًا بالوصول إلى المستشفى ليكشفوا علامات التعذيب الواضحة على جسده". وقال عيسى جاد، أحد أقرباء الضحية بتصريحات صحفية عن تفاصيل التعذيب، قائلًا: "وجدنا آثار دماء؛ نتيجة انتهاكات جنسية للضحية، وعيناه مزرقة، وهناك بعض التجمعات الدموية خلف أذنيه". وأشار جاد إلى أن أسرته رفضت استلام جثته، وتم نقلها إلى مشرحة زينهم للتشريح، موجهين اتهامات إلى ضابط القسم بتعذيبه حتى الموت.
مونيتور: طبقوا القانون وفي انتفاضة حقوقية، عما يجرى داخل السجون والأقسام من انتهاكات متعددة، طالبت منظمة هيومن رايتس مونيتور، بتطبيق مواد الدستور والقانون الخاصة بحقوق المحتجزين داخل السجون والأقسام. ومن بين تلك المواد المادة 129 من قانون العقوبات التي تنص على: "كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادًا على وظيفته بحيث إنه أخل بشرفهم أو أحدث آلامًا بأبدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه مصريًا". بالإضافة إلى المادة (42) من الدستور تشير إلى أنّ "كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، كما لا يجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون، وكل قول يثبت إنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد بشيء منه يهدر ولا يعود عليه". وأضافت المنظمة، إلى أن ما يحدث داخل السجون يتم في غياب تام لدور السلطة التنفيذية ألا وهو الرقابة على مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية التابعة لوزارة الداخلية يمارس القائمون على إدارة سجن "برج العرب" وغيرها من السجون. وتابعت رايتس مونيتور، أن الفترة الأخيرة شهدت مصر فيها حالة من التزايد بالعنف الشرطي المستخدم بحق المعتقلين، وذلك دون مساءلة عادلة لأي من الضالعين في تلك الانتهاكات، وتتنوع أشكال المعاناة داخل السجون بين ما يطلق عليها "حفلات" التعذيب. وأعربت المنظمة عن قلقها البالغ جراء تضخم الانتهاكات الممنهجة بحق المعتقلين، وتؤكد أن زيادة وتيرة التعذيب بكل مقار الاحتجاز يزيد من تفاقم أزمة تعذيب المواطنين، الأمر الذي بات ممنهجًا وازداد بصورة مروعة حتى باتت السلطات المصرية هي المنتهك الأول لحقوق المواطن بدلًا من أن تكون حامية لحقوقه وحياته.
غياب الرقابة واستكمالًا للغضب الحقوقي، قال حليم حنيش، المحامي الحقوقي، وعضو المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن غياب الرقابة على الأقسام والسجون من جانب النيابة العامة والسلطة التنفيذية الممثلة في وزارة الداخلية"، هي التي أدت إلى زيادة وتيرة الانتهاكات. وأضاف حنيش في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن غياب المحاسبة عن الضباط الذين يقومون بمثل تلك الانتهاكات، هو ما يزيد قوتهم واستمرارهم في تعذيب المواطنين المحتجزين داخل السجون والأقسام. وتابع المحامي الحقوقي أن الانتهاكات التي تحدث لم تزد وتيرتها خلال الأسبوع الماضي فقط، بل أن الانتهاكات مستمرة منذ سنوات، ولا يوجد رقيب أو حسيب. وأشار حنيش إلى أن منظمات المجتمع المدني تعتبر هي الوحيدة التي تعمل على الضغط على السلطة، لوقف تلك الانتهاكات، من خلال إعدادهم تقارير وبيانات تكشف بالأرقام تلك الانتهاكات من خلال خطاب مجتمعي يضم تلك المنظمات. وأوضح حنيش أن هذه المنظمات قد كشفت عن استعدادها للقيام بتأهيل ضباط الشرطة، وأمناء الشرطة في التعامل مع المواطنين، مؤكدًا أن الإرادة السياسية الغائبة هي السبب الرئيسي وراء زيادة حدة تلك الانتهاكات. وفي سياق متصل، قال مختار منير، المحامي الحقوقي وعضو مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن وزارة الداخلية والضباط المسئولين فيها لا تقع على عاتقها أي مساءلة نظرًا لغياب الرقابة ومراقبة النيابة العامة للأقسام والسجون. وأضاف منير في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن الدماء التي تسال من الشباب في الكثير من الانتهاكات والتعذيب الذي يحدث داخل السجون، يتحملها المواطن وذوو المعتدى عليهم نظرًا لسكوتهم على تلك الوقائع دون محاسبة إنسانيًا. وأكد منير أن المتورط الأساسي في تلك الوقائع هي النيابة العامة لعدم سعيها وراء كشف الحقيقة وإثبات المتورطين فيها، خاصة أن عناصر من الداخلية يكونون متهمين فيها.