فى الأسبوع الماضى شُغِلنا بموضوع أنف النائب البرلمانى، ذلك الأنف الذى كُسِر. وفى الحقيقة رغم أنَّ البعض ومنهم كتاب فى جريدتكم قد تكلموا فى الموضوع إلا أننى أعتقد أننا لم نتوقف عند هذا الموضوع بالشكل الذى يستحقه. ورغم أننى لست منتمياً للتيار السلفى بل منتقد له، أقول إننى أشعر بالتعاطف مع النائب البلكيمى، وأحاول هنا أن أشرح. هنا حالة مواطن مصرى مثل كثيرين منَّا، فطرتنا الإنسانية البريئة تدفعنا لأن نتجمَّل ونتزيَّن ولكننا قد نصطدم برأى فقهى - ربما اجتهاد وليس من أصول الدين - يمنع الاستجابة لهذه الفطرة. ما فعله النائب هو نتيجة إحدى حالتين; إما أنه مقتنع فى ضميره بصحة الاجتهاد الفقهى لزمرته السلفية وأنه قد أتى فعلاً محرماً بتصغير أنفه، وهنا فضَّل أن يرتكب إثماً قطعياً وهو الكذب على أن يظهر أمام زمرته أنه ارتكب إثماً ظنياً، وهو هنا الحرمة بدليل ظنِّى. وهنا يجب أن نسأل أنفسنا كيف حدث له، وهو القدوة، هذا الخلل الفكرى؟ كيف تحرَّج من الناس أكثر من تحرجه من الله؟! والحالة الثانية أنه فى قرارة نفسه غير مقتنع بذاك الاجتهاد السلفى الذى يحرِّم جراحة التجميل، وهذه أسوأ لأنه يكون هنا فضَّل رذيلة الكذب على فضيلة البوح بقناعته فى حرية وشجاعة. وهنا نسأل أنفسنا لماذا؟ الاحتمال الثانى شديد الخطورة لأنه دليل على حالة الإرهاب الفكرى الذى نرتكبه فى حق بعضنا بعضا; يرى أحدنا رأياً ويخاف البوح به. وتحضرنى قصة قصها الشيخ القرضاوى، فى مذكراته عندما وقف الإمام الفقيه محمد أبو زهرة، فى مؤتمر إسلامى فى ليبيا، وقال للمؤتمرين إنَّ عنده رأى كتمه عشرين عاماً ويريد أن يبوح به، وهو أنه يعتقد أن الرجم ليس من الإسلام. وهنا يقول القرضاوى إن المشكلة ليست فى الرأى الذى قد نختلف أو نتفق معه فيه. المشكلة هى كيف أنَّ إماماً فقيهاً كهذا كتم اجتهاداً فقهياً عشرين عاماً خوفاً من التشنيع والإرهاب الفكرى! إذا كان هذا حال مجتهد كبير مثل أبى زهرة، فما بالنا بالنائب المسكين؟! وصدقونى، فى نفس الأسبوع كُسِر أنف آخر، هو أنف مصر كلها عندما سافر الأمريكان بليل. إذا دققنا وجدناها نفس الأنف، نفس الكذب، نفس الإخفاء والازدواجية، نفس المجتمع النفاقى.....ولكن هذا موضوع آخر. يا سادة أنتم كتَّاب متميزون ويقرأ لكم الكثيرون، أرجوكم قدِّموا النصح للناس. أولادنا يجب أن يقولوا ويفعلوا ما يؤمنون بأنه الصواب، وإذا أخطأوا يجب أن يجادل بعضهم بعضاً بالحكمة والموعظة الحسنة. يجب أن نكف عن الإرهاب الفكرى. قولوا للناس لا ترهبونا، لاترهبوا أولادنا. د. أمين الشوربجى نائب رئيس المجلس الإسلامى الكندى وأستاذ الهندسة المدنية بجامعة ساسكاتشوان بكندا.