ذات ليلة باردة ممطرة تلقيت استشارة تربوية عاجلة فبصعوبة فهمت من بين دموع إحدى الأمهات أن أحد الأبناء ترك البيت غاضباً إثر مشادة مع الأب، وتستشيرنى ماذا يفعلون؟! وأخبرتنى أن مملكتها الصغيرة تبدو وكأنها قد تعرضت لتوسونامى؛ فالأب لا يترك مكانه بالبلكونة متجمداً فى هذا الصقيع الليلى وهو يراقب الشارع عل هذا الابن يعود إلى البيت، والأم لا تترك الهاتف ولا تجف دموعها، والأبناء منهم من حاول اللحاق بأخيه ومنهم من جلس مشلولاً وقد خيم على الجميع الوجوم والكآبة؟! أسئلة.. وإجابات لها مغزى: فقلت لها علينا أن نجيب معاً عن هذه الأسئلة للحل بروية: 1-ما الذى حدث ليهرب هذا الابن الشاب والذى ينتظر منه أن يشارك فى حمل المسئولية؟ فعرفت أنه انفجار لآثار تراكمية من خلافات وأخطاء فى التعامل وثغور فى العلاقات الأسرية. إذن المشكلة ليست كما يبدو لنا على السطح كسبب لمشكلة آنية؛ بل إنها حصاد مر لخلل ولصدام بين الأجيال استمر سنين ولم يجد من يعالجه؟! 2-أين نتوقع منه أن يذهب إليه الآن؟ وأقنعتها أنه سيذهب لأقرب شخصية سواء صديقا أو عما أو خالا أو مكانا أو شلة كانت على صلة معه منذ زمن، وكانت بمثابة الحضن الدافئ الذى كان يستمع له ويحاوره ويفضفض له؛ أو بمعنى بسيط ذهب إلى البديل المريح؟! أو أن يذهب إلى من لا يريد الخير له ولا للأسرة! 3-من الذى سيفرح لفراقه؟! ووصلنا معاً بالحوار أن هناك بعض الشخصيات التى كانت تغذيه ببذور التمرد على والديه كلها نتيجة لأحداث وأحقاد صورها إحسان عبد القدوس فى (شىء فى صدرى)؟! والعجيب أن الأسرة كانت تعلم بهذه العلاقات ولم تتقدم خطوة لتحتوى ابنها؛ فتجاهلته وتشاغلت عنه. 4-من سيحزن على فراقه غيركم؟ ولنبحث عمن يعاوننا ويفكر معنا بإخلاص لمقابلته ومصالحته ولإعادته. وعرفت أن هناك خالا قريبا جداً منه ويحبه ويرتاح له، وهناك بعض الأصدقاء القريبين من الأسرة ويجمعهم كلهم أنهم يحزنون لخروجه ويحبون له ولأسرته الخير. 5-من سيتلقفه الآن؟ وهو مصدر الخوف الحقيقى عند الأسرة؛ لأن رأى وسلوك هذه الشخصية هو الذى سيحدد مستقبل حل المشكلة والاحتمالات هى أنه سيذهب إلى من يريد له ولأسرته الخير أو الشر، لذا فالمهم الآن أن نعرف أين هو ومع من؟ 6-وما آثار خروجه عليه وعلى الأسرة؟ طبعاً سيكون درساً للوالدين حول أهمية السلام الأسرى والاستيعاب، وحل المشاكل داخلياً وقتلها فى مهدها حتى لا تستفحل مثلما حدث. ولكن بالنسبة للابن؛ هو أنه سيجرب الحياة الجديدة خارج رقابة الأسرة وكبت الوالدين. أو أنه سيكتشف عالماً جديداً سواء صالحاً أو فاسداً بناء على من سيتلقفه الآن. 7-من سيعيده؟ ومن سيكون عليه العبء الأكبر فى نصح هذا الابن وإعادته؛ فكان الاتفاق أن يبادر الوالدان ولو بطريق غير مباشر وبوعد باستيعابه وإعطائه مكانته بين إخوته والمحافظة على ماء وجهه وعدم تساقط زلاته وأن يحاولا فهم أهمية الحوار مع الأبناء خاصة الناضجين والمميزين، وأن يظهرا حبهما له سلوكياً وليس نظرياً. ثم يشارك كل من أحبوه وشاركوه أسراره وأحلامه، من الأصدقاء والأقارب؛ فينصحونه ويبرزوا له معنى الدفء الأسرى له ولأبنائه ولعلاقاته المستقبلية، وأن يحموه ممن يريدون الصيد فى الماء العكر! بفضل من الله فى أيام قليلة انتهت تلك المشكلة على خير. ظاهرة الشوارد.. أما آن الآوان؟: وتذكرت بمرارة أننا بعد عودتنا عام 2001م من غربتنا الطويلة؛ وقد هالنا (ظاهرة الشوارد) وهى تظهر على استحياء؛ فشكونا إلى د. عبد المنعم أبو الفتوح؛ ما هو السبب فى شرود بعض الأحباب عن بيتهم الذى تربوا وربونا فيه؛ فحدثنا حول ظروف القهر السياسى والاجتماعى وكيف أثر على دفء العلاقات وروح العمل الإسلامى وعلى انسيابية المعلومات بين القيادة والقواعد، ووعدنا خيراً. وسبحان الله تدور الأيام لنجده مع البعض ممن أحببناهم وأحبونا تحت مظلة الحب فى الله والعمل لدينه وقد اكتووا بنارها، وأصبنا برذاذها؛ ففرح من فرح وحزن من حزن. والآن وبالتعاون والحوار والتصالح والمصارحة وتحت مظلة الحب أما آن الأوان ليعود الأبناء الشاردون؟! د. حمدى شعيب [email protected]