أكثر سؤال يواجهنى الآن، وأعتقد أنه يواجه كثيرين من المشتغلين بالشأن العام هو: من تنتخب لرئاسة الجمهورية، والغريب أن السؤال يأتى من الشباب الإسلامى أكثر من غيرهم، على الرغم من أن قدرة التيار الإسلامى على التصويت هى الأوسع بدون شك وتكفى لإنجاح أى مرشح، ومع ذلك يتكرر سؤالهم وحيرتهم، وأزعم أن هذه الحيرة ليست فقط عند شباب التيار الإسلامى بل عند كبار الإسلاميين ورموزهم، وأيضًا بين الأحزاب والجماعات الكبيرة، الكل حائر ويغيب عنه اليقين الذى يمكن أن يذهب إليه باطمئنان وراحة ضمير كاملة فى هذا الموضوع تحديدا، والحيرة أيضًا تمتد إلى تيارات يسارية وليبرالية، شبابًا وشيوخًا، فهناك حيرة وعدم وضوح وارتباك فى تحديد بوصلة الاختيار لأسباب متعددة. الحالة الإسلامية فيها انقسام لم يعد خافيًا على أحد، وهو يتبلور تدريجيا فى خلاف بين جيل الشباب وجيل الشيوخ، وهذا الأمر يسرى على الإخوان المسلمين كما يسرى على التيار السلفى، فى الموقف من كل من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، فى الإخوان تباين واضح فى وجهات النظر، وهناك قطاع واسع من شباب الإخوان يؤيد ترشيح أبو الفتوح بقوة ويتحمس له بصورة علنية، وبعض قيادات الجيل الوسيط تميل إليه أيضًا، بالمقابل فإن موقف الجماعة الرسمى، وعدد كبير من قياداتها وصقورها يرفض اختيار أبو الفتوح، لاعتبارات متعددة، منها ما يتعلق بخلاف قديم بين الرجل وبين قيادة الجماعة انتهى إلى عزله ثم خروجه من الجماعة، على الرغم من القبول الكبير الذى يحظى به بين الشباب، وموقف الجماعة يحاول البعض تفسيره على خلفية "توافق" بين الجماعة وقوى أخرى حول مرشح من خارج التيار الإسلامى يحظى بالقبول من الجميع أو من غالبية التيارات والقوى الفاعلة فى المعادلة السياسية الحالية. فى التيار السلفى هناك قلق من النوع نفسه فى الموقف من اختيار الشيخ حازم أبو إسماعيل، فهناك تيار شبابى جارف متحمس للرجل ومندفع لاختياره، وهو تيار مدعوم من بعض الرموز السلفية لها عاطفة قوية لوجود شخصية إسلامية واضحة الرؤية وأقرب إلى التيار السلفى فى منصب رئيس الدولة، بالمقابل هناك رموز سلفية كبيرة وصاحبة حضور ومصداقية عالية فى التيار السلفى تتحفظ على اختيار أبو إسماعيل، لاعتبارات التقييم الشخصى لمجمل مواقفه السابقة وما تراه فيها من اندفاع فى الموقف السياسى والروح الصدامية مع المؤسسة العسكرية والأمنية تحديدا معتبرة أن البلد لا يحتمل مثل هذه الروح الآن وفيها ما يكفيها من الحرائق والتوترات، ومن جانب آخر ترى تلك القيادات ومعها قطاع من الشباب أنه من الخطورة بمكان أن يحمل التيار الإسلامى حمل المسؤولية كاملا لدولة بحجم مصر تتعرض الآن لمشكلات عميقة داخليا وخارجيا، وبالتالى، يرى أصحاب هذه الوجهة أن اختيار مرشح "محافظ" ويحترم الشريعة وليس له خصومة مع التيار الإسلامى، وله قبول من الآخرين، ربما يكون أوفق فى الاختيار، بعد أن حسم التيار الإسلامى غالبيته بالبرلمان وأصبح المرشح الأول لتشكيل الحكومة المقبلة. هذه هى المرة الأولى التى يعجز فيها الخبراء والمحللون، ناهيك عن رجل الشارع العادى، عن التأكد من تحديد رئيسهم المنتخب المقبل، وربما كانت تلك واحدة من أهم علامات دخول مصر إلى عصر الديمقراطية وتحرر الإرادة وحرية الاختيار الحقيقى، وتجاوزها أزمنة الطغاة والفراعين وأنصاف الآلهة. [email protected]