أصبح الموضوع مبتذل، وقمة فى الابتذال، ونحن كالببغاء منذ خمس سنوات نكتب دون أن يقرأ أحد، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا لا يستوعبون ولا ينفذون، بل إنهم لا يريدون الاستماع لأى صوت غير أصواتهم، وكأنهم أسياد على رءوس عبيد، وسرعان ما يتم تصدير المشكلة إما لإسرائيل أو لمصر أو لكل من يحاول إصلاح ذات البين. إنه الموضوع القديم- الحديث كهرباء غزة التى أصبحت أهم من قضية فلسطين ذاتها، وتحولت لمضمار تتسابق به خيول الكراسى كل يحاول الوصول قبل الآخر، والمتفرجون لا يمتلكون سوى التصفيق للفائز بلا حول ولا قوة، مسلوبو الإرادة، تحت حد السيف الضرائب تنهال على رءوسهم أكثر من زخات فصل الشتاء، وتكميم الأفواه بالعصا وبالسوط، والبطالة تفترسهم، والأمراض تنهك أجسادهم الهزيلة الفقيرة من فيتامينات التكرش، والرواتب ألعوبة بيد سلطان الأرزاق البشرى، والحالة على الله. أين المشكلة: منذ الانقسام الفلسطينى - الفلسطينى والتجاذب السياسى بين الطرفين لا يظهر سوى بالأساسيات الحياتية للمواطن البسيط، فى حين إنهم بمرأى عن أى تجاذبات فنشاهدهم عندما يتقابلون بالأحضان والابتسامات، وأساسياتهم اليومية تزيد رفاهية، وسلطانهم الشخصى ينمو ويترعرع بحقن الانتفاخ الشبيه بحقن التلقيح للإنجاب، والمواطن يزداد فقرًا حتى كاد أن يصبح مسلول ببدنه ونفسيته، تراه شابًا بتاريخ الميلاد عجوزًا بهيكله ومنظره. فالحكومتان فى غزة ورام الله متفقتان على كل شىء يمكن له أن ينغص على المواطن حياته، ويحوله لأسير فى وطنه، وكل منهما يصر ويتمسك بحقه فى جباية الضرائب ومستحقات الكهرباء التى تعتبر الأغلى فى العالم من حيث السعر، ولا يمر شهر أو بضعة أسابيع دون أن تحدث احتكاكا بينهما بخصوص أموال الجباية المتعلقة بالصحة وبالكهرباء، فى حين أموال الملاهى والمنتجعات تمر بكل سلاسة وسهولة دون أن تتعرض لحصار أو لتجاذبات، وكأن الحصار فقط على الصحة (التحويلات)، والكهرباء. فقطاع غزة يتم تزويده بالكهرباء من ثلاثة مصادر الأول الخط الإسرائيلى وهو لا يتم فصله نهائيًا وهنا السؤال لماذا لا يتم فصله فى حين يتم دفعه من باستمرار، فماذا يفرق عن السولار المعالج الذى يغذى محطة التوليد فى المنطقة الوسطى؟ المصدر الثانى محطة التوليد التى تغذى المنطقة الوسطى وهى حلقة الصداع المزمنة فى رأس المواطن الغزاوى التى أصبح يتمنى تدميرها أو ردمها فى البحر ويرتاح من هذا الصداع الذى يدعى سولار معالج، ويعيش بسببه فى حالة إرباك مستمرة منذ خمس سنوات، والسؤال لماذا لا يتم دفع ثمن هذا السولار باستمرار والحفاظ على طاقة المحطة؟ المصدر الثالث الكهرباء التى يتم تزويد جنوبغزة من مصر وهى لا مشكلة بها سوى السياسة التى تتبعها شركة الطاقة بقرارات سيادية بتحويل خطوط هذه المنطقة لمناطق أخرى بغزة وعليه تحدث المشكلة بالجنوب. أمام تلك المصادر لنا السؤال الأهم والذى يعتبر هو بوصلة الحل التى لا يريد أحد السير حسب مؤشرها، من صاحب الحق فى جباية ثمن الكهرباء؟ هنا المعضلة الأساسية بين الحكومتين، فالمفترض أن شركة الطاقة الفلسطينية - وهى شركة خاصة- وفق قانونها الأساسى وتشكيلها هى المسئولة عن الطاقة فى غزة والضفة، وهى صاحبة الحق فى الجباية ومعالجة أى قصور فى تلك المسألة أو فى وصول الطاقة لمنازل ومصانع المواطنين. ولكن هذه الشركة أصبحت شركة حكومية بفعل فاعل لا تمتلك أى قرار إلاّ بالعودة للحكومة التى تقع تحت هيمنتها أو سيطرتها، وعليه بدأت المشكلة بالظهور من خلال السيطرة على الشركة وعلى ممتلكاتها وأموالها العينية والمادية، وأصبحت الشركة لا تملك سوى المسمى فقط كشركة قطاع خاص فى زمن الخصخصة الغريب الذى يتم تطبيقه فى فلسطين، وهو قانون تم صياغته وصناعته لخدمة الكروش التى سيطرت وهيمنت على الاقتصاد الفلسطينى فى حقبة السلطة الوطنية، ونهبت خيرات شعبنا وهرولت بها إلى الخارج، ولما لا مولد وصاحبه غايب. ما الحل؟ الحل أن يتم تنحيه الأساسيات الحياتية من تجاذباتهم أولاً، ورحمة المواطن الفلسطينى عامة، والغزاوى عامة من طاحونة سعيهم للوصول للكرسى وفى سبيله يتم طحن كل شىء، المواطن والقضية والأخلاق والضمير والوطنية والإنسانية، وأن يتم منح شركة الطاقة سلطات جباية ثمن الكهرباء والمسئولية الكاملة عن الطاقة فى شطرى الوطن