من حق الدكتور عبدالمنعم عمارة أن نرفع له القبعة ونشد على يده للطريقة التي يعالج بها الأسد المريض في الاسماعيلية وأعني به ذلك الفريق صاحب أحلى كرة في بر مصر! بدون الدراويش لا طعم لكرة القدم ولا نكهة لأي نجم ولا قيمة لمسابقة دوري أو كأس. عن نفسي يمكنني ألا أشاهد مباريات الزمالك أو الأهلي إذا كنت مرتبطا بعمل في نفس التوقيت، لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من متابعة الدراويش حتى وهم في أسوأ حالاتهم. هم فعلا السمسمية والسامبا والحلاوة والطلاوة والآهات المنتزعة من القلوب! عندما كنت في مصر لم يكن في استطاعتي أن انقطع عن زيارة الاسماعيلية أكثر من أسبوع. هناك أشعر أنني في بيئة كروية مستوردة من البرازيل، يحلو لي أن أجلس في مقاهيها الجميلة، احتسي الشاي وأتابع تحليلات جمهور ذواق جميل حسن الكلام والألفاظ، تربية عز كروي كما يقولون، فليس هناك في مصر جمهور مثل أنصار الدراويش في فهمهم للكرة الحلوة، يشجعون عن وعي، هم الجمهور الوحيد الذي لا يرضى بالفوز إذا لم يصاحبه الاداء الراقي المشهور عن فريقهم، فاذا ما فازوا حتى بالثلاثة أو الأربعة دون شعور بالمتعة الكروية، يخرجون هائمين على وجوههم، في صمت وحزن كأن نازلة عظمى أحلت بهم! والحقيقة ليس هناك غير عمارة من يستطيع فهم هذا الأسد المريض واعادته الى عرشه في الغابة الكروية، فأنا لا أنسى كيف استطاع بناء فريق من المجهولين بالتعاون مع الراحل الكبير شحتة والفنان علي أبو جريشة حصل به من أول سنة على الدوري العام في بطولة شرسة ساخنة كانت فيها المستويات متقاربة للغاية وليس مثل حال الدوري الحالي أو السابق! في صمت يعمل هذا الحكيم، فهو باني أجمل بقعة في مصر عندما كان محافظا لها. أذكر أنني استضفت صديقا عربيا كبيرا في زيارة نصف يوم للاسماعيلية في موسم المانجو، فرأيت كم هو مندهش من جمال وهدوء هذه المدينة حتى أنه شبهها بالجنة التي يدعو الله أن يستقر فيها! ومن اجمل ما قرأت أمس أن الحكيم في سبيله لاعادة آخر سلالة المواهب الكروية المصرية خالد بيبو، هذا اللاعب الفنان الذي يلاعب الكرة بأقدام مغناطيسية! الاسماعيلي مثل الماء للسمك، إذا خرج منه اللاعب الفنان الموهوب، سرعان ما يفقد القدرة على التنفس ثم يدخل في مرحلة الموت السريري لموهبته، وهي مرحلة تنتظر فقط رفع أجهزة الانعاش لتذهب تلك الموهبة في موت أبدي! لكن فناننا بيبو والحمد لله لن ترفع عنه أجهزة الانعاش لأنه اختار العودة إلى الماء، لتتنفس موهبته بالفطرة، وليتراقص مع بقية فرقة السامبا! سيعود نجما كبيرا كما كان قبل أن يختار الخروج من الماء، يمتعنا بغزواته وكرته الجميلة، وتبا للفلوس التي تحرمنا من مواهبنا ومن التمتع بفنونهم! العود أحمد يا بيبو.. وليت الحكيم يعيد أيضا موهوبا آخر خرج ذات يوم من الماء وهو الفنان رضا سيكا. إنه لاعب الكرة الشاملة لا تعرفه في بقعة واحدة من الملعب، فهو مدافع ومهاجم وفي حلق مرمى الفريق المنافس يحرز الأهداف الجميلة! أوتاكا نجمهم النيجيري الشهير كان لاعبا خافتا منزويا لا يشعر به أحد، وعندما لعب للاسماعيلي كشف لنا عن موهبة لم نعهدها في لاعب أفريقي من قبل أو من بعد، لدرجة أن هناك في مصر من طالب بمنحه الجنسية المصرية ليلعب للمنتخب! صدقوني أن هذا اللاعب الذي احترف في اعتى الأندية الأوروبية وبين ثلة من كبار اللاعبين وأحرفهم، لم يعد كما كان بالاسماعيلي، حتى عندما عندما لعب مع منتخب بلاده لم يكن هو قطعة الماس النادرة التي شدت أنظارهم الى الاسماعيلية! وقد سئل أوتاكا عن السر في حوار صحفي، فأجاب بمنتهى الصراحة أنه لا يعرف السبب. إن قوة غير عادية تتملكه وهو يرتدي فانلة الدراويش الصفراء، ويشعر مع زملائه كأن أرواح منتخب البرازيل استحضرت فيهم! ما هو هذا السر يا حكيم؟! أفتينا الله يخليك.. ربما أعطينا هذه الوصفة لديناصورات القاهرة فيكتفون بها ولا يلجئون مستقبلا إلى تخريب فريقك!! [email protected]