حدثني صديق يعمل بمؤسسة خليجية أن عاملا بنجلاديشيا فوق العشرين من عمره بقليل ابتدره سائلا : من هو أيمن نور ؟ وهل هو من الإخوان المسلمين ؟ , ولدهشة صديقي من السؤال غير المتوقع رد السؤال بسؤال عن سبب السؤال , فكان جواب العامل سمعت عن الذي فعلوه به عندكم من نشرة الأخبار بقناتنا الفضائية انتهت الحكاية القصيرة وبقيت دلالاتها الكثيرة والتي ألخص بعضها فيما يلي: الدلالة الأولى : هى تأكيد جديد على عظمة مصر, وأنها ليست فقط قلب العالم العربي بل قلب العالم الإسلامي أيضا , والذي لا يتزن بدونها بينما تعرج هي بدونه أو تزحف إن استطاعت , وأن كل خبر فيها له شأن يهتم به العامة فضلا عن المثقفين والنخبة في كل بلد إسلامي ولو كان من أشدها فقرا وأبعدها مكانا كدولة مثل بنجلاديش , ونذكر أن الصليبيين لم يخرجوا من فلسطين إلا بعد أن دخلت مصر على الخط وقاد جيوشها صلاح الدين الكردي الذي تربى في الشام ثم تزعم مصر , وأن التتار بعد أن فعلوا في العالم الإسلامي ما لا يتخيله هتلر إنما انتهي أمرهم عندما خرجت لهم جيوش مصر يقودها قطز وينفخ فيه روح العزة " العز بن عبد السلام " من فوق منبر الأزهر, وكذلك لم يستطع الصهاينة أن يعيثوا فسادا في العالم العربي دون أن يلتفتوا وراءهم خائفين إلا بعد أن حيدوا مصر في الكامب الشهير , فاستطاعوا أن يضربوا مفاعل العراق , ويحتلوا جنوب لبنان , ويطردوا المقاومة الفلسطينية منها , ويديروا مذابح قانا وصابرا وشاتيلا وغيرهما ويعملوا على تهويد القدس وما زالوا يعملون وعليه فلابد أن نعيد مؤشر البوصلة تجاه العالمين العربي والإسلامي , ونشعر هذه الدول بدفء قربنا , ونستشعر حنان أحضانها , ومن هذا القبيل كنا سنكسب كثيرا عندما دعا مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها مصر لتتعلم من بلاده التكنولوجيا التي أوصلتهم لأن يكونوا أحد النمور الأسيوية , وذلك بلا مقابل إلا المودة في القربى , ولكن لم يسمع له أحد ربما خوفا على زعل العم سام , وظللنا نستجدي المعونات الغربية والتي لا تدفع لوجه الله , ونستورد ناتج التكنولوجيا ندفع فيه أضعاف ثمنه , ويضن الغرب علينا بسر صناعته الذي يعطيه لليهود بلا ثمن ليضمن لهم التفوق علينا مجتمعين , ولعلنا قرأنا قريبا الخبر الذي سرب بأن الإنجليز قدموا لليهود عقب إعلان كيانهم الصهيوني , أطنانا من لوازم إنتاج القنابل الذرية وهم الذين أنهوا انتدابهم علي فلسطين قبل ذلك ليعلن اليهود بعدها مباشرة دولتهم هناك , وكانت إنجلترا من أوائل الدول التي اعترفت بها , ومن المضحك المبكي أن الجيوش العربية يومها دخلت فلسطين لتحررها من اليهود بقيادة " جلوب " الإنجليزي , فكان طبيعيا أن تضيع فلسطين و رغم ذلك ما زلنا معرضين عن إخواننا رغم عرضهم السخي , ونستجدي من يجب أن نقطع أملنا فيه , و كأن الشاعر كان يخاطبنا نحن بقوله : أمن بيت ال..... طلبت عظما ***** لقد حدثت نفسك بالمحال الدلالة الثانية : أن مصر التي تحدثت عنها كانت ثم أصبحت , كانت كما ذكرت ثم أصبحت كما نرى فيها ونحن أهلها , وكما يراه ويسمعه غيرنا من أخبار وصلت إلى بنجلاديش وتوقف الناس هناك عندها يستوي في ذلك النخبة والعامة , ولكن ما يصيب مصر الآن من خور وضعف وتخلف وتبعية إنما هي علامات مرض عارض لا يلبث أن يزول , ودليل أنها كانت قبله صحيحة , وأن بعد المرض شفاء , وبعد الشفاء زعامة وأستاذية مستحقة ومستردة , يؤكد ذلك ما يموج به المجتمع بكافة أطيافه من مقاومة للمرض تؤذن بشفاء , فإن كان سدنتها الذين أرهقوها من أمرها عسرا قد اخترعوا كل وسيلة لتبقى كما هى فيبقون كما هم , وجربوا أساليب في التزوير غير مسبوقة فإن أساتها وأطباؤها قد اخترعوا أيضا أساليب غير مسبوقة في مقاومة هذا كله , وأقول غير مازح - كمثال على ذلك - أن مخترع فكرة السلالم الخشبية للإدلاء بالأصوات من الأسطح والشبابيك من حقه أن تكون له براءة اختراع باسمه , وإنما هذا دليل وشاهد على صلابة المقاومة لانتزاع الحق , ومن داوم طرق الباب فتح له الدلالة الثالثة : أن الحرص الشديد على أمر قد يعطل التفكير الجيد في كيفية إنجازة , لأنه كما يقولون - الحرص على الشىء يعمي ويصم -فهذا الحرص المؤدي إلى العمي قد يأتي بنتيجة عكس ما يشتهي الحريص , فالدكتور أيمن نور رغم اختلافي فكريا عن منهجه , إلا أني أحترم أن له فكر يؤمن به ويدافع عنه , فهو رجل ذو رسالة قد نختلف معها أو نتفق , ولكن بالمحصلة النهائية ليس هو المفكر عابر القارات التي تتحدث عنه بنجلاديش وغيرها وما وضعه في هذا المكان إلا أمران بصفة خاصة , الأول منها هو الدعم الأمريكي المعنوي على الأقل في صورة لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية به , والإهتمام الإعلامي الواضح بشأنه بصورة كانت أوضح كثيرا من إهتمام الإعلام الأمريكي بما حدث في الإنتخابات ككل , رغم أن الدكتور أيمن نور شخص واحد وإن كان له وزنه واحترامه , إلا أن الإنتخابات أهدرت فيها كرامة أمة بأسرها , واعتقل فيها آلاف - ما زال منهم قرابة الألف معتقل كما قالت مصادر الإخوان - , وجرح المئات , وقتل ما فوق العشرة , غير من أسقط من المرشحين بغير حق , والأمر الثاني والأهم هو العداء الواضح من الجهات الرسمية للدكتور أيمن نور , والذي كان مقصوده أن ينسى المصريون شخصا اسمه أيمن نور فطار ذكره إلى بنجلاديش وغيرها الدلالة الرابعة : أن أول ما تبادر إلى ذهن العامل هو أن يكون أيمن نور من الإخوان المسلمين , بمعنى أنه أصبح مشتهرا عالميا ولدي الكافة أن الإسلاميين مضطهدون في مصر ومضيق عليهم , وما رأوه في الفضائيات في الإنتخابات الأخيرة جعل هذا الأمر من المعلوم بالضرورة , رغم أن الإخوان يطرحون الحل الإسلامي بمنهج وبرنامج يتماشى مع دستور الدولة الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية هي المرجع الرئيسي للتشريع , أى أنهم أقرب الناس إنسجاما مع الدستور الذي هو أبو القوانين , ورغم ذلك هم الأكثر اضطهادا ومحاربة , وإذا كان غيرهم يتحدث عن اضطهاد الأقباط في مصر , والذي لم أره , ولو رأيته لكنت من أول المدافعين عن حق الأقباط في المواطنة الكاملة , وليتفضل أحد بذكر أسماء الوزراء المسلمين في الحكومة الأمريكية على مدي تاريخها كله إن وجد أحدا , في حين سيخطأ في العدد إن أراد أن يحصر الوزراء اليهود هناك , ولا يدعي أحد أن كل مسلمي أمريكا لم لم توجد بهم كفاءات مؤهلة خلال كل هذه الوزارات من أمثال الدكتور فاروق الباز أو الدكتور أحمد زويل , وفي الوقت ذاته لم تخل وزارة مصرية من أكثر من وزير قبطي , وهذه ليست منة من أحد في مصر بل هو حق طبيعي لمواطن مصري يستحق أن يكون وزيرا , فالإضطهاد الملموس هو للحركة الإسلامية في مصر وعلى رأسها كبري الحركات الإسلامية التي خاضت الإنتخابات أخيرا , وبالمناسبة أسأل التليفزيون المصري أين الجلسات المباشرة شبه اليومية والتي كانت تعرض لمجلس الشعب السابق ؟! , وإن كان بعض الظن إثما , فإن البعض الآخر ليس بإثم , ومنه أن الحكومة لا تريد ولا تحتمل أن يطالع الشعب المصري وجوه 88 عضوا من الإخوان المسلمين بالتليفزيون رغم أنه هو الذي اختارهم , ولذلك لما نقل الإعلام البنجلاديشي إلى شعبه أن أيمن نور مضطهد ظنوه من الإخوان المسلمين . هشام منصور