مضت سنوات وأنا أعمل فى السعودية وأبحث عن عروس وتضيع الإجازة دون فائدة فى زيارات مرتبة للرؤية الشرعية تتم بكثير من الافتعال والتكلف وتكون ثقيلة على النفس ومحرجة للغاية ولا يحدث نصيب لأسباب مختلفة وأعود من حيث أتيت حتى كان أول يوم فى إجازتى منذ سبع سنوات حين دخلت سنترال أمام بيتنا وشاهدتها، كانت فتاتى التى حلمت بها طويلا فى جمالها الهادئ ونظرة عينها الصريحة وتلك البسمة المطبوعة على وجهها فى سحر ودلال، سألت عليها وتقدمت لخطبتها فورًا، كانت أمها فى مثل جمالها وتبدو صغيرة فى السن كأم لعروس فى حين كان والدها عجوزاً وكأنه جدها، فقد توفيت زوجته الأولى أم أولاده الرجال الكبار وتزوج والدة زوجتى وكانت صغيرة جدًا ولم تنجب سواها. اصطحبت زوجتى معى وزاد حبى لها بعد الزواج أضعافًا مضاعفة لأنها مرحة طيبة وربة بيت ممتازة ورزقنا الله ابنتين وولدا واستقرت أمورنا كثيرا، ومنذ أربع سنوات توفى والد زوجتى بعد مرض طويل وبعد العزاء أخذنا والدتها معنا لتقوم بعمل العمرة وكانت سعادتها لا توصف وقضت معظم وقتها فى الحرم وصارت تلك هى عادتها كلما تخلفنا عن السفر لمصر تأتى إلينا لأن ظروفى لا تسمح لى بالسفر بانتظام. فى العام الماضى ظلت معنا لمدة شهرين ولاحظت تغيرات كبيرة أثارت استغرابى، عباءتها ضيقة ومليئة بالزينة وفى السوق تتبسط مع الباعة وتضحك بغير مبرر، وكنت أنبهها وأعنفها دائمًا حتى كرهت الخروج معى، وفى إحدى المرات خرجت لتشترى احتياجاتها وحدها وبعد عودتها غافلتها وأخرجت ما فى حقيبتها فأذهلنى ما أرى ملابس تصلح لعروس وأشياء لا تناسب أرملة مسنة وجدة لثلاثة أحفاد. انتهزت الفرصة يومًا وقلت لها ما هذه الألوان التى تختارينها؟ وهل تلبسين أحمر وأصفر قالت: لا أريد أن أشعر أننى عجوز. نزلنا الإجازة هذا العام وذكر لى صديق أثق به أن هناك رجلا دائم التردد على حماتى وقد رآها تسير معه خارج الحى الذى نعيش فيه، ماذا أفعل؟ هل أواجهها بشكوكى وأثير معها مشكلة وأقلب عائلة زوجها عليها؟ أم أقاطعها وأمنع زوجتى عنها؟ أم أخبر زوجتى بالأمر وأعرفها حقيقة أمها وأحذرها منها؟ الرد لا تظلم المرأة إذ يكفيها ما ذاقت من ظلم طوال حياتها، زوجها أهلها صغيرة لرجل عجوز قضت معظم سنواتها معه فى خدمته وتمريضه، وأنت أخذت ابنتها الوحيدة وسافرت والآن يطالبها الجميع بأن تعيش باقى عمرها فى وحدة وعزلة. أتوقع أن تكون حماتك فى أواسط الأربعينيات وهى ليست سنا كبيرة كما تفترض وليس ذنبها أن ابنتها تزوجت وأنجبت. من حقها أن تبحث عن رفيق لوحدتها وأن تعيش حياتها وأتوقع أن يكون هذا الرجل زوجها، ربما أخفت عنك خبر زواجها لما تراه منك من تشدد ونفور تجاهها، وربما كانت زوجة ثانية للرجل ولا يريد الرجل الإعلان الكامل حفاظًا على بيته الأول، وربما تخاف من أولاد زوجها الرجال، ومن المؤكد أن هناك من يعرف بأمر زواجها ممن تثق هى فيه ويتعاطف معها. لعلها خافت أن تخبرك فتثير المشاكل من حولها أو أن وضع زوجها لن يعجبك، ولعلها تخجل منك ومن ابنتها بالذات وتفترض أنكما فى غربتكما لن تعرفا. افترض حسن الظن ولا تصادر حقها فى الزواج والصحبة، واسأل أقرب الناس إليها أخيها أو أختها وقل إنك تعلم بأمر ذلك الرجل وتريد أن تعرف موقفه ومن المؤكد أنك ستعرف الحقيقة، وقتها واجه حماتك واسألها دون تحامل ولو كان الرجل زوجها فعلا فليس من حقك أن تفسد زيجتها بل تعرف عليه حتى يعلم أن لها أهلا يهتمون بشأنها، ثم اخبر ابنتها ولتعلم أن هذا حقها. الديكتاتورية والتسلط ليست نظامًا للحكم فقط بل أيضًا نظام للتفكير يجعلنا نصادر حق الغير فى الحياة وكأنك قد امتلكت تلك المرأة بزواجك من ابنتها وحددت مسار حياتها وحصرت دورها فى الجدة العجوز لأولادك، ليس من حقك دعها تعيش بالشكل الذى يريحها مادامت لم تأت محرمًا، وسيدة مثلها حجت واعتمرت وأخلصت فى خدمة ورعاية زوجها لن تخطئ، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء. [email protected]