لعبت المساجد التركية، دورا بارزًا في مواجهة الانقلاب العسكري، الفاشل في تركيا منذ اللحظات الأولى لوقوعه. وفي ليلة 15 يوليو 2016،قلبت رسالة نصية أرسلت ل 120 ,ألف خطيب على مستوى تركيا الموازين, حيث ساعدت في إخراج الناس إلي الشوارع لإفشال مخطط الانقلاب. الدكتور محمد غورماز، رئيس الشؤون الدينية في تركيا (بمرتبة وزير) كان هو البطل الرئيسي، في تنفيذ فكرة إرسال الرسالة بعد موافقة الرئيس رجب طيب أردوغان، ليكون أحد نجوم الدين في تركيا بعد نجاحه في هذه المهمة. وأسهب غورماز كذلك في شرح خطط علماء الدين في تركيا، فيما اعتبروه مواجهة جماعة غولن تركيا، كما أخذ يقدم أدلته التي يراها على انحرافات جماعة غولن. وفي لقاء مع ل"هافينغتون بوست عربي" حكي غورماز القصة كاملة قائلا: إنه حصل ليلة 15 يوليو على معلومات تفيد بأن هناك تحركاتٍ من الجيش لتنفيذ عملية انقلاب. وأضاف أنه سأل حينها نفسه كرئيس للشؤون الدينية، حول ما يمكنه "أن يقوم به من أجل شعبه ومستقبل أمته"، وأمام العدد الكبير للمساجد وموظفيها، حيث بلغت 90 ألفاً، يعمل بها أكثر من 100 ألف من الأئمة والخطباء والمؤذنين، خطرت بباله ذكرى من الطفولة. وقال أنه استلهم هذه الفكرة أنه عندما كان طفلاً يبلغ ال12 من عمره، بدأت حرب قبرص التي شاركت فيها تركيا، بعد دعم اليونان للانقلاب على نظام الحكم في الجزيرة، وكان أبوه حينها إماماً للمسجد مشيرا إلي الناس اجتمعت حول الإذاعة لمتابعة الأخبار، لكن الأب طلب منه الصعود الى المئذنة والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) بأعلى صوته، ثم دعوة الناس بعدها للاجتماع داخل المسجد. وأكد الرجل الذي صار الآن رئيساً للشؤون الدينية في البلاد، أن نجاح ما قام به حينها في جمع الناس هو الذي دفعه لأن يقوم به مجدداً ليلة المحاولة الانقلابية، "فهو تقليد من تقاليد الدولة العثمانية، التي كان أئمتها يساهمون الناس أفراحهم وأحزانهم بالصلاة والسلام على النبي في المآذن والمساجد". وقام غورماز ليلتها، بعد استشارة أردوغان وموافقته، بكتابة رسالة قصيرة على الهاتف وإرسالها لأكثر من 120 ألف موظف تابع لرئاسة الشؤون الدينية في كل مدن وقرى تركيا، طلب فيها فتح المساجد وجمع الناس داخلها والصلاة والسلام على النبي، وهو ما تم بالفعل. ويُفسر استجابة الناس لدعوة المساجد, بأنهم "كانوا بحاجة إلى قوة معنوية، وحينما سمعوا الأذان في تلك الأوقات الضيقة استجابوا الدعوة، ثم إننا لم نكتف بالصلاة والسلام على النبي فقط، بل دعونا الشعب للميادين ليحافظوا على حقوقهم والوقوف مع الشرعية". ويشير غورماز الي أنه في البداية، لم يفهم المواطنون في القرى ما كان يقع، حيث فاجأهم الأذان والصلوات، لكن الأئمة أخبروهم بالذهاب إلى المحافظات القريبة من قراهم، وهو ما استجابوا له. ويقول غورماز بارتياح ظاهر على محياه ،إن من المفارقات التي وقعت ليلة 15 يوليو نجاح الأذان والمساجد في إيقاف الانقلابيين، "لقد عشنا 4 انقلابات عسكرية كلها أوقفت الأذان، لكن هذه المرة هو الذي أوقف الانقلاب". وأوضح أن أحد جنرالات الطيارين الانقلابيين كان يصرخ وهو فوق الأرض بأنه يجب إسقاط المساجد، "لكنها هي التي أسقطته وأوقفت انقلابه بأئمتها ومؤذنيها، فالصلاة تعني الرحمة والسلام والسلم"، على حد تعبيره. لكنه يذكر أن بعضاً من الأئمة الذين وصلتهم الرسالة كانوا من أتباع الجماعة والموالين للانقلابيين، حيث قام واحد منهم في إحدى المدن التركية بقطع الكهرباء حتى لا تتم دعوة الناس إلى الخروج ضد الانقلاب. ويضيف أن الرئاسة قامت بطرد هؤلاء بعدها.