مبكرًا بدأ يظهر فى البرلمان "نواب التأزيم" فقد اعتصم بداخله عدد منهم الأسبوع الماضى من دون مبرر يستحق ذلك. وهذا السلوك لا يزيد على كونه استمرارًا للرضوخ لفريق يدعى الثورية، ويريد تسيير البلاد، والبرلمان على هواه، وحسب أهدافه، حتى لو كان يقودهما إلى مزيد من الفوضى والتعطيل، هذا الاعتصام كان نوعًا من المزايدة والابتزاز و"الشو" الإعلامى، وكأن النواب المعتصمين هم الثوريون والوطنيون دون بقية زملائهم، علمًا بأن الأداء داخل البرلمان حتى الآن يميل إلى الصراخ، والخلاف، والمزايدات المتبادلة حتى لا يقال إن هذه الكتلة النيابية أقل ثورية من الأخرى، وللأسف يسحب نواب الأقلية الزاعقون البرلمان وراءهم ليس لمصلحة عموم المصريين، إنما لمصلحة جماعات تركب الثورة، وتشوهها، وليس معروفًا مَن منهم الثورى عن حق، ومن هو المأجور، أو البلطجى أو المخرب. لعل كلمة النائب المستشار محمود الخضيرى فى نهاية جلسة الثلاثاء الماضى كاشفة عن تهافت أداء معظم النواب، وضلال من يفتعلون المظاهرات والاشتباكات. وإذا كان نواب الشعب يعتصمون، فيحق - إذن - للمتواجدين بمحيط الداخلية أن يقتحموها، ويحق للشعب أن يقطع الطرق. الاعتصام الذى استمر ليلة واحدة إشارة أولية تنذر برائحة مخطط لإدخال البرلمان فى متاهات ومزايدات قد تعيقه عن أداء عمله، وربما تصيبه بالشلل، وأخشى أن يكون ذلك حلقة فى خطة لإسقاط البرلمان بالتوازى مع محاولات إسقاط وزارة الداخلية. قال هؤلاء النواب إنهم اعتصموا حتى تتوقف الداخلية عن استخدام قنابل الغاز، والخرطوش ضد المتظاهرين بمحيط الوزارة. وبرر النائب مصطفى الجندى استمرار وجود المتظاهرين حتى يتم القصاص لدماء الشهداء. والسؤال: هل الذين يتربصون بوزارة الداخلية، ويشتبكون مع قواتها متظاهرون وثوار حقًا؟. إذا كانوا ثوارًا فلماذا لم يعودوا إلى ميدان التحرير، كما طالبهم بذلك كثير من المخلصين للثورة وللوطن حتى يتم معرفة مَن هو الثائر الحق، ومن هو البلطجى، أم أن المظاهرات موصوفة لهم فى شوارع محمد محمود، ومنصور، والفلكى، ونوبار فقط دون غيرها؟. طالما هم كانوا مصرين على البقاء فى أماكنهم، ومواصلة الكر والفر مع القوات التى تحمى الوزارة، فإنهم ليسوا ثوارًا، وإذا كانوا ثوارًا فهم عار على الثورة. كم من الجرائم ترتكب باسم الثورة الآن؟. من يصر على البقاء فى محيط الداخلية، فهو بوضوح بلطجى، و"قبيض"، يقوم بمهمة حقيرة تستدعى التبرؤ منه، ويجب على الداخلية أن تحمى نفسها بكل الوسائل، وأن تتعامل مع مَن يريدون اقتحامها وفق القانون. ومع ذلك فإن أيدى الوزارة مغلولة لأنها إذا دافعت عن هيبتها بمواجهة البلطجية سيقال إنها تقتل الثوار، وإذا لم تفعل شيئًا ستتهم بالتقصير، وهذا ما قاله الوزير. أما مسألة القصاص، فهو الحق الذى يراد به الباطل، هل القصاص يكون بالاشتباك مع الداخلية، ومحاولة اقتحامها، أم بمحاسبة من يثبت تورطه فى سفك دماء بريئة، وهذا ما يقوم به البرلمان حاليًا، والنيابة العامة ؟. وكما هو واضح فالبرلمان متحمس للقصاص، ويصعب أن يزايد عليه أحد فى الاهتمام بحقوق الشهداء. من يلقون الطوب، والشماريخ، ويستخدمون الأسلحة البيضاء والعصى ومختلف أدوات الإيذاء، ويحرقون مبنى الضرائب، ومحلات ومصالح المواطنين فى الشوارع التى يتواجدون فيها، هم - قولاً واحدًا - مخربون. فهل مطلوب من الداخلية أن "تطبطب" عليهم، أم تدافع عن نفسها، ومع ذلك فهى لا تهاجم، إنما تستخدم الغاز فقط لإبعاد البلطجية، ولم يثبت استخدامها للخرطوش، رغم وجود حالات وفاة وإصابة بالخرطوش بين من يسمون متظاهرين، والمفارقة أن هناك مصابين فى الشرطة بالخرطوش أيضًا، وبالتالى لا يمكن للشرطة أن تطلق الخرطوش على نفسها، وهذا يعنى وجود طرف خفى مندس يستخدم وسائل العنف، ومنه الخرطوش ضد من يحاصرون وزارة الداخلية، وضد القوات التى تؤمن الوزارة. والرصاصة التى رفعها النائب المدعو محمد أبو حامد كانت فضيحة، لأنه رفعها على اعتبار أن الداخلية أطلقتها، ثم ثبت أنها طلقة سليمة، ولما انكشف الأمر رفع طلقة أخرى، سيادته جاهز فى شنطته بكل أنواع الطلقات حسب الطلب. كيف يكون هؤلاء نوابًا، وكيف يكونون قدوة ونموذجًا؟. أنا لا أدافع عن الداخلية، إنما أدافع عن كيان مصر، وقد انتقدت الداخلية، والمجلس العسكرى، والحكومة بعنف على خلفية مجزرة بورسعيد، بل وطالبت الجنزورى ووزير داخليته بالاستقالة لمسئوليتهما السياسية عما حدث. أسمعوا ما يقوله سكان وأصحاب المحلات فى الشوارع التى يعسكر فيها البلطجية، وأسمعوا ما يقوله المصريون فى كل مكان يشهد مسيرة، أو مظاهرة، أو اعتصامًا، وأسمعوا ما يقوله المصريون فى الفضائيات عما يحدث فى مصر من هؤلاء الفوضويين، يقولون كلامًا لا يسركم يا من تدافعون عن البلطجية والتخريب باسم الثورة. كم تشوهت الثورة، والثوار الحقيقيون، بأفعال من يركبون موجة الثورة من فريق منبوذ لا شعبية، ولا شرعية له، فاندفع إلى تأزيم الأوضاع. ومن يرفعون صوتهم مطالبين بحق التظاهر، والاعتصام السلمى على إطلاقه، فهذا قول فيه تدليس كبير، لأن ذلك الأمر له ضوابط تشترط عدم تعطيل مصالح المجتمع، والمرافق العامة والخاصة، لكن الحاصل أن المظاهرات والاعتصامات منذ الثورة لا تلتزم بأى ضوابط حتى فى التحرير، فهى تنسف مصالح الناس وتكدرهم. عدة مئات أو آلاف يحتلون شارعًا، أو أى مكان وقتما يشاءون دون مراعاة لمصالح العباد بحجة أن هذا حق لهم، بينما حق عموم الناس والمجتمع يعلو على أى حق لعدد من أفراده. لا يحدث هذا الأمر فى أى ديمقراطية، إنما المظاهرات تجرى وفق نظام وضوابط حتى تسير الحياة دون تعطيل. ما يحدث فى مصر ابتزاز باسم الثورة، وتدليل لجماعات الله أعلم بحقيقتهم على حساب مصالح الشعب الذى يعيش بؤسًا أشد مما كان عليه قبل الثورة. [email protected]