ما إن وقعت حركتا فتح وحماس "إعلان الدوحة" الذي ينص على أن يتولى الرئيس محمود عباس رئاسة حكومة انتقالية توافقية تشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، إلا وظهرت تساؤلات كثيرة حول مدى إمكانية نجاح تلك الخطوة في إتمام المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع؟. وكان جرى توقيع "إعلان الدوحة" بين عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل برعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في 6 فبراير. ونص الاتفاق على تولي محمود عباس رئاسة حكومة توافق وطني من كفاءات مهنية مستقلة تتولى تسهيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء في إعمار غزة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد القول إن إعلان حكومة الوفاق سيتم بالقاهرة في 18 فبراير، خلال اجتماع اللجنة القيادية لمنظمة التحرير التي ستشارك فيها كافة الفصائل الفلسطينية بينها حركتا حماس والجهاد الإسلامي. وأضاف الأحمد أن عباس ومشعل اتفقا أيضا خلال اجتماعهما في الدوحة في 6 فبراير على الاستمرار في خطوات تفعيل وتطوير منظمة التحرير من خلال إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بالإضافة إلى استمرار عمل اللجان التي تم تشكيلها بعد توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة في مايو من العام الماضي، وهي لجنة الحريات العامة المكلفة معالجة ملفات المعتقلين والمؤسسات وحرية السفر وعودة الكوادر إلى قطاع غزة وجوازات السفر وحرية العمل، ولجنة المصالحة المجتمعية. وكان أمير قطر أكد بعد توقيع "إعلان الدوحة" أن الاتفاق مسئولية تاريخية على عاتق الطرفين لتوحيد الحركة الوطنية الفلسطينية، واعتبر أن الفلسطينيين لم يعد أمامهم سوى المضي في تحقيق وحدتهم الوطنية "التي لم تعد خيارا بل مصيرا". ومن جانبه، قال محمود عباس في كلمة مقتضبة بعد التوقيع :"إننا لم نوقع هذا من أجل التوقيع والنشر والإعلام، وإنما وقعناه من أجل التطبيق، سواء فيما يتعلق بالانتخابات وبالحكومة وبقضايا المصالحة، وبصرف النظر عما يجري حولنا من أمور صعبة". واعتبر عباس أن المصالحة الفلسطينية "مصلحة وطنية فلسطينية وعربية"، وتعهد بأن تكون "موضع تطبيق بأسرع وقت ممكن". ومن جانبه، قال خالد مشعل:" هناك جدية من فتح وحماس لتنفيذ الاتفاق الذي سيسهم في تفرغ الفلسطينيين لمواجهة العدو المحتل، لنقاومه وننجز مشروعنا الوطني بكل قوانا". كما رحب رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية سلام فياض بالاتفاق، وعبر في بيان له عن أمله في التنفيذ السريع لما ورد فيه بما في ذلك تشكيل حكومة برئاسة عباس، وإجراء الانتخابات، وبما يطوي صفحة الانقسام إلى غير رجعة. ومن جانبه، بارك رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة إسماعيل هنية في تصريح صحفي مقتضب إعلان الدوحة، وأكد أن حكومته جاهزة لتنفيذه. وفي المقابل، خير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس بين المصالحة مع حماس أو طريق السلام مع إسرائيل. وقال نتنياهو خلال اجتماع لوزراء حزب الليكود الذي يتزعمه في 7 فبراير :" في حال قام أبو مازن بتطبيق ما تم توقيعه في الدوحة، فإنه يختار ترك طريق السلام"، وخاطب في هذا الصدد الرئيس الفلسطيني، قائلا :"إما السلام مع حماس أو السلام مع إسرائيل، لا يمكنك أن تحصل على الاثنين". ورغم أن البعض وصف إعلان الدوحة بأنه المخرج لإنهاء حالة الجمود في ملف المصالحة الفلسطينية، إلا أن هناك من نبه إلى أن المشكلة الأساسية في اتفاقات المصالحة بين فتح وحماس هي التعقيدات التي نجمت عن سنوات الانقسام وتداعياته على الطرفين وعلى القواعد الشعبية. فمعروف أن اتفاق المصالحة الذي وقع في القاهرة في مايو من العام الماضي اصطدم بعقبة الشخصية التي ستقود الحكومة، إذ اعترضت حماس على رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض، وترددت أنباء حول أن إعلان الدوحة لم يعالج إشكالا رئيسا وهو كيفية دمج أجهزة الأمن التي تسيطر عليها حماس في القطاع وفتح في الضفة الغربية. كما ترددت أنباء عن خلافات نشبت بين مشعل، الذي يعيش في المنفى، وبين قيادة حماس في غزة، حول مدى المرونة التي يجب أن تبديها الحركة في التعاطي مع المجموعة الدولية. وكان مساعدان كبيران لعباس هما نبيل شعث وعزام الأحمد أعلنا أنهما واثقان من أن الحكومة القادمة التي توقعوا إعلانها خلال عشرة أيام في القاهرة ستلتزم بمبادئ الرباعية التي تنص أساسا على الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف، لكنهما ذكرا بأن تركيزها لن يكون على مفاوضة إسرائيل، وإنما على تنظيم انتخابات نص اتفاق سابق في القاهرة على تنظيمها في مايو 2012 . وبالنظر إلى أن استمرار تدفق الدعم المالي الدولي المقدر بمليار دولار سنويا سيتوقف على البرنامج السياسي لحكومة التوفق الوطني ومدى التزام حماس بشروط الرباعية الدولية، فقد حذر كثيرون من أن إسرائيل لن تفوت فرصة لإجهاض تنفيذ المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع. ورغم أن قناة "الجزيرة" نقلت عن مسئولين فلسطينيين رفضوا كشف هويتهم تأكيدهم استعداد قطر لدفع عشرة مليارات دولار لمعالجة تبعات الاتفاق ومواجهة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بقطع المساعدات والضرائب عن أية حكومة تضم حماس، إلا أن هناك مخاوف واسعة من أن تعمد إسرائيل إلى شن حرب جديدة على غزة لإفشال المصالحة وخلط الأوراق مجددا. ويبدو أنه لا بديل أمام فتح وحماس سوى التزام الحذر الشديد تجاه مخططات إسرائيل، بالإضافة إلى أن هناك حاجة ماسة لأن يكون للراعيين المصري والقطري دور في ترجمة ما اتفق عليه ومحاسبة المعطلين لإتمام المصالحة الفلسطينية.