بعد التراجع العالمي.. أسعار الذهب والسبائك اليوم السبت وتوقعات الفترة المقبلة    من الصداقة للعداء.. خلاف «ترامب» و«ماسك» يُسلط الضوء على التمويل الحكومي ل«تسلا» و«سبيس إكس»    موعد مباراة منتخب إنجلترا ضد أندورا والقنوات الناقلة في تصفيات كأس العالم 2026    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 4493 قضية سرقة كهرباء ومخالفات لشروط التعاقد خلال 24 ساعة    موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة المنيا    في ثاني أيام العيد.. مصرع شخص وإصابة آخر في انقلاب سيارة بأسيوط الجديدة    أسما شريف منير بعد زواجها: «أنصح البنات متفكرش في الماديات» (صور)    17 شهيدا جراء هجمات الاحتلال على محافظتي خان يونس ورفح الفلسطينية    وزير العمل يهنئ فلسطين بمنحها "عضو مراقب" بمنظمة العمل الدولية    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب بابوا غينيا الجديدة    مجانًا خلال العيد.. 13 مجزرًا حكوميًا بأسوان تواصل ذبح الأضاحي    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    رسميًا.. جون إدوارد مديرًا رياضيًا لنادي الزمالك    «أكثر من 10 لاعبين».. خالد الغندور يكشف تدخل رجل أعمال خليجي لحسم صفقات الزمالك    الأسهم الأمريكية ترتفع بدعم من بيانات الوظائف وصعود «تسلا»    هل ترتفع اسعار اللحوم بعد العيد ..؟    5 مشروعات تنموية جديدة فى الأقصر بالتعاون مع هيئة تنمية الصعيد.. صور    محافظ أسيوط يشارك المواطنين احتفالات عيد الأضحى بنادي العاملين بالمحافظ    ضبط 65.8 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    القبض على المتهم بقتل والدته وإصابة والده وشقيقته بالشرقية    تبدأ من 5 جنيهات.. أسعار شواطئ الإسكندرية قبل خروجة العيد    أسعار اللحوم الحمراء بالأسواق ثاني أيام عيد الأضحى المبارك    إيرادات ضخمة ل فيلم «ريستارت» في أول أيام عيد الأضحى (تفاصيل)    أواخر يونيو الجاري.. شيرين تحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان موازين بالمغرب    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    "البحوث الإسلامية": عيد الأضحى مناسبة إيمانية عظيمة تتجلى فيها معاني التضحية    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    الصحة: أكثر من 1.4 مليون قرار علاج على نفقة الدولة في 5 أشهر    10 نصائح لتجنب الشعور بالتخمة بعد أكلات عيد الأضحى الدسمة    الصحة تنظم المؤتمر الدولي «Cairo Valves 2025» بأكاديمية قلب مبرة مصر القديمة    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 7-6-2025 في مصر بعد آخر ارتفاع    مفاجآت في العيد| مراكز الشباب تفتح أبوابها مجانًا للمواطنين.. وخدمات سوبر ستارز    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    صدام ترامب ونتنياهو بسبب إيران.. فرصة تاريخية لدى رئيس أمريكا لتحقيق فوز سياسي    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    اتهمته بالضرب والسرقة والخيانة.. من هي شيماء سعيد زوجها المطرب إسماعيل الليثي؟    ريابكوف: ميرتس يحاول إقناع ترامب بإعادة واشنطن إلى مسار التصعيد في أوكرانيا    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الصحفى أسامه الهتيمى وذكريات رمضانية
نشر في المصريون يوم 24 - 06 - 2016

عرفته الساحة الإعلامية الإسلامية منذ سنوات كأحد المحاورين للشخصيات الفكرية والحركية الإسلامية العرب غير أنه كان دائما يحمل رؤية نقدية لما يراه ويسمعه ولم لا وهو قد مزج في حياته بين الجانبين الحركي والفكري فهو يدرك صعوبات الواقع الحركي وتحدياته وفي الوقت ذاته مهموم بالأسئلة الفكرية الكبرى التي شكلت ملامح المشروع الإسلامي في نهايات القرن المنصرم.. في مرحلة لاحقة قرر كاتبنا أن يتفرغ للكتابة ولكنه أبدا لم يكتب من البرج العاجي أو في هواء الغرف المكيفة فهو لا يعرف ترف الحياة المخملية التي يعيشها بعض الكتاب أو المفكرين فهو كما يصف نفسه دائما رجل شارع قبل كل شيء يعرف مشاكل الحياة على الأرض الحقيقية لا في الواقع الافتراضي ولعل هذا أكبر ما استفاده من تجربته الحركية لذلك فإننا سنلمس هذه السمة الواضحة في كل كتاباته أي الواقعية الشديدة تلك الواقعية المرتبطة بالموضوعية فهو دائما يفرق بين الأمنيات وبين الحقائق حتى لو كانت حقائق سوداوية.. لغته أيضا تتسم بهذه السمة فهو يكره بشدة الاستخدام النخبوي للغة لأنه يقدم أفكاره للجمهور العريض الذي هو قوام التغيير الحقيقي وليس للنخبة المترفة وعلى الرغم من هذا فإن هذه الواقعية لا تعني التبسيط المخل أو الساذج العكس تماما هو الصحيح فكثير من تحليلاته كان سباقا بها ورددها بعده الكثيرون.. هذه المعادلة الصعبة التي تعني العمق في التناول والبساطة في اللغة والموضوعية في الطرح هي ما يميز كاتبنا الذي اهتم كثيرا بالتحليل السياسي للقضايا العربية والشأن المصري تحديدا حتى أصبح ضيفا شبه دائم على بعض القنوات والمواقع الإسلامية التي لا يتردد لحظة في نقد بعض قاداتها أو سياستها حتى استبعده البعض وما لبث أن عادوا لاستضافته لأن منهجيته الرصينة أقوى من المزايدات الساذجة التي يقوم بها آخرون.
من أكثر الملفات الخارجية التي اهتم بها كاتبنا هو الملف الإيراني الذي كتب فيه أكثر من أربعين بحثا مطولا تطرق فيه إلى قضايا حساسة بعيدا عن الأفكار المذهبية والطائفية لهذا الملف الشائك حتى أصبح مصدرا لكثير من الباحثين في الشأن الإيراني.. كاتبنا اليوم هو الأستاذ أسامة الهتيمي الكاتب والمحلل السياسي المصري، والذي ولد عام 1974م في إحدى قرى محافظة الفيوم فكانت نشأته الريفية من أهم العوامل التي شكلت شخصيته فلقد عشق الحقول الخضراء ولا يزال.. فلحظات الفرح والحزن كليهما يعيشها تحت ظلال النخيل.

وفي تلك الأجواء الخلابة بدأ في محاولات شعرية وهو بعد لم يزل طالبا في المرحلة الإعدادية فيما اقترب من جماعة التبليغ والدعوة ليمارس أول نشاط حركي عبرها وهي التجربة التي كان لها أثرا في نمو الحس الإسلامي لديه مبكرا لكنه آثر بعد ذلك عدم الانضمام إلى أي جماعة فكان شعور الاستقلال لديه قويا جدا.
التحق كاتبنا عام 1993 بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة – بالمخالفة لرغبة والده الذي كان يريده الالتحاق بكلية التربية إذ كان يسعى كاتبنا آنذاك إلى الانتقال من الفيوم للقاهرة وهو ما تحقق له.
شكلت سنوات الدراسة في دار العلوم لكاتبنا الملامح الأولى لنشاطه الصحفي والسياسي فيما بعد، حيث تعرف خلال سنوات دراسته على أحد الأحزاب السياسية التي حملت رؤية إسلامية فسارع للانضمام له فيما تميز نشاطه الصحفي الطلابي عبر جماعة الصحافة بالكلية والتي تولى رئاستها حتى تخرجه لينطلق فيما بعد في حياته العملية كصحفي وناشط سياسي.
(المصريون) التقت به لتحاوره عن ذكرياته عن شهر الصوم في مرحلة طفولته في قريته ومدى تأثير هذه الذكريات على تكوينه وانطباعه عن شهر الخير وما هي من وجهة نظره أهم السلبيات التي يلاحظها خلال شهر رمضان بالإضافة إلى التعرف على أمنياته الخاصة والعامة.
نشأتم فى إحدى قرى الفيوم كيف تتذكر رمضان فى سنواتكم الأولى؟
الحديث عن ذكريات رمضان في الطفولة يثير الكثير من الأشجان في النفس ذلك أنه كان لشهر رمضان خلال مرحلة الطفولة في قريتي الصغيرة – إبهيت الحجر – سنورس – الفيوم – نكهة خاصة أثرت بشكل كبير في تكوين مشاعري ناحية أيام الشهر الكريم حتى أنني لا زلت أشعر الآن وقد اقتربت من منتصف العقد الخامس من العمر بالحنين إلى الحياة في تلك الأيام خاصة وقد افتقدنا الكثير من مظاهرها ليس على مستوى المعايشة فحسب بل وحتى على مستوى المشاهدة بعد أن أصبح للأطفال الآن ممارسات تختلف كليا عما كنا عليه وقتئذ.
لكن على كل حال فإن ذكريات الطفولة في رمضان لا تنحصر في مرحلة الطفولة المبكرة فحسب بل إنها امتدت أيضا لمراحل أخرى حيث كان لكل مرحلة مذاق خاص وممارسات مختلفة فلا زلت أذكر عودة الكثير من شباب قريتنا وأطفالها أيضا من الذين كانوا يعملون في القاهرة والجيزة قبيل بداية الشهر المبارك بأيام قليلة وكيف أننا كنا نسعد بذلك جدا إذ ومن خلال الجلوس مع هؤلاء والاستماع إليهم نتعرف على عالم القاهرة بتناقضاتها فكانت تهفو نفسي دائما لاستماع قصص هؤلاء حتى لو كانت تحمل الكثير من المبالغات.
لا زلت أذكر كيف كنا نتجمع قبل صلاة المغرب نجلس على المصطبة المجاورة لبائع "البطيخ والشمام" بأحد شوارع القرية الرئيسية والناس ذهابا وإيابا وصوت النقشبندي أو نصر الدين طوبار في مكبرات الصوت يأتيك من مساجد القرية من كل ناحية كما لا زلت أذكر وجوه بعض رجال ونساء القرية وهم جالسون في انتظار آذان المغرب على المصاطب أمام بيوتهم.
ولا زلت أذكر كيف كنا نلتف حول أمي وهي تقوم بإعداد الفطار على وابور الجاز وكيف كانت رائحة الطعام الشهي تثيرنا وهي بالطبع سعيدة بعبارات الإشادة بما تعده.
ولا زلت أذكر عندما كان يقوم أبي – رحمه الله – وأمي بتكسير قطع الثلج لنقوم وإخوتي بتوزيعها على الجيران والأقارب الذين لم يكونوا يملكون ثلاجة حينئذ فيما كنا من أوائل من امتلكها بعد أن أهدانا بها أحد أخوالي – أمد الله في عمره – حيث كان من العاملين في المملكة العربية السعودية آنذاك.
ولا زلت أذكر كيف وفور تناولنا للإفطار يتجمع كل أطفال الشارع في نقطة معلومة لدينا فمنا من كان يحمل الفوانيس ومنا من لا يحملها غير أن جميعنا في حالة من السعادة والفرحة.
ولا زلت أذكر كيف كنا ننتظر فوازير "عمو" فؤاد ثم نتجمع بعدها للتداول حول حل الفزورة ثم كيف كنا نذهب جميعا للمسجد لصلاة العشاء والمشاركة في صلاة القيام التي كان يؤمنا خلالها وفي المسجد الكبير بالقرية الشيخ أحمد عبد الوهاب رحمه الله.
ولا زلت أذكر مسحراتي القرية الشيخ أحمد المهدي بطبلته الكبيرة ينطلق من منزله القريب من منزلنا ليجوب القرية كلها ونحن خلفه نردد بعض ما يقول "اصحى يا نايم صحى النوم إحنا بقينا في شهر الصوم" .
ولا زلت أذكر كيف كنا نظل نلعب حتى يحين موعد السحور فنعود لبيوتنا لتناول السحور ثم نذهب للمساجد لأداء صلاة الفجر ثم نتجمع لنعلب بعض الوقت بالكرة لنتفرق بعدها عائدين لبيوتنا للنوم.
لا زلت أذكر كيف كان يحرص أبي – رحمه الله – على دعوة جدي وجدتي لتناول الإفطار طيلة أغلب أيام الشهر الكريم وهو الأمر الذي كان يدخل علينا السعادة.
**ماذا تعلمت من قيم الإسلام وحضارته وتاريخه فى رمضان؟
-كنت أسأل نفسي دائما لماذا فرض الله علينا الصيام وهل أراد الله عز وجل أن نعاني من الجوع والعطش وإذا كانت المسألة هي جوع وعطش وامتناع عن الشهوات فلماذا لم يشرع هذا الصيام في فترة الليل ألم يكن ذلك أخف وطأة على الصائمين؟.. وبعد طول تأمل وتفكر توصلت إلى أن للصيام حكم عديدة ربما لا يدركها المرء في مرحلة مبكرة من حياته لكنه ومع خبرة الحياة يدرك أهميته في تكوين شخصية المسلم الذي لابد أن يعي ومنذ البداية أن الدنيا ليست إلا معبر للآخرة وأن الحرمان جزء من السنن الكونية إن لم يكن بحكم الحاجة فهو بحكم عدم المقدرة فيظل قلب المؤمن متعلق بنموذج الحياة الكاملة في الآخرة فيبقى دائما وأبدا متطلعا للفوز بهذا النموذج.
هذا بالإضافة لما يتضمنه الصيام من معنى التضامن مع أصحاب المعاناة في الأرض كلها فلا تغض أنفسهم الطرف عن الذين يعانون الجوع أو الحرمان بل وتكون لديهم القدرة على البذل والعطاء من أجل تخفيف هذه المعاناة فقد جربوها وعايشوها.
ولعل الصيام بهذه المعاني يصبح من القيم الإسلامية العليا الأمر الذي ارتقى بالصيام ليكون أحد أركان الإسلام الخمسة وهو ما وعاه وأدركه جيدا المسلمون الأوائل فما كان الصيام لديهم مجرد ركون للامتناع عن الأكل والشرب بل انعكس أيضا على سلوكهم العام لتتحقق المنظومة الأخلاقية والقيمية العليا فيتحقق الشكل الأقرب للنموذج ليس على مستوى علاقات الأفراد في المجتمع بعضهم ببعض بل وأيضا تحقيق العدل في الأرض وهو ما يفسر لماذا كانت أغلب انتصارات المسلمين في رمضان.
وانطلاقا مما سبق فإن المسلم الحقيقي ينبغي ألا يتعاطى مع صيامه على أنه مجرد امتناع عن طعام وشراب وغير ذلك من الشهوات ولكن لابد أن يكون في حالة حركة دائمة لتحقيق العدل وفق قدراته وامكانياته فيبذل ما في وسعه مثلا لإصلاح ذات البين أو أن يصل رحمه أو يتصدق أو يقوم بزيارة الأقارب والجيران أو أن يعمل على إعلاء راية الحق بالشكل الذي يتيسر له.
**لماذا اختفت هذه القيم من حياتنا وصار تطبيقها كطقوس وعادات؟
-أعتقد أن ثمة عوامل كثيرة عملت على ذلك يأتي على رأسها فعل المخططات التي لا تتوقف ليل نهار من أعداء الداخل وأعداء الخارج من أجل تفريغ الإسلام من معانيه ومضامينه وقصر العبادات فيه على جانبها الحركي والمادي الملموس لتفقد حكمتها والهدف الذي من أجله شرع الله عز وجل هذه العبادات.. والحقيقة أننا لابد أن نعترف أن الكثير من مخططات هؤلاء الأعداء نجحت إلى حد كبير فأصبح حرصنا على ظاهر الأمور دون بواطنها وجوهرها الحقيقي في حين كان من بين ردات الفعل السلبية أيضا هو محاولة البعض لأن يلعب على هذا الوتر فأراد أن يعبث بالشكل بإدعاء العودة للجوهر والدين فتم التهاون في شكل العبادات على الرغم من أن الإسلام بريء من ذلك أيضا إذ الإسلام يعمل على أن يكون المؤمنون به في حالة اتساق داخلية وخارجية وألا يتعارض الشكل مع الجوهر وما يغني أحدهما عن الآخر بل إن الاهتمام بأحدهما على حساب الآخر تدين منقوص بل وربما مردود على صاحبه.
والأصل أن يعي المسلمون أن التدين الحقيقي هو التزام بالعبادات وعناية كاملة بحسن الخلق والسلوك وإلا فما معنى أن يؤدي المرء صلاته ومن يقف بجواره لا يطيق مجاورته وأن يصوم رمضان ونفسه تمتلئ بالأحقاد وأن يخرج زكاته وهو غير راضٍ عما يخرجه؟
**كيف نستغل شهر رمضان فى تقريب ذات البين بين المسلمين فى هذا الوقت؟
- في اعتقادي أن إصلاح ذات البين إن لم يتحقق في شهر رمضان فإنه لا يمكن أن يتحقق في غيره إذ وفضلا عن تصاعد الجانب الروحاني لدى المؤمنين والمسلمين خلال هذا الشهر وهو التصاعد الذي يدفع الكثير منهم إلى أن يرتقوا بأنفسهم بعيدا عن صراعات الحياة التي هي لب كل الخلافات بين البشر فإنه أيضا وبشكل نفعي يمكن لأي مسلم وبحسبة بسيطة أن يتوصل إلى أهمية هذا الإصلاح وألا يواصل مقاطعته أو خصامه لأحد المسلمين إذ يجب أن يدرك أن تعبه ومشقته في صيامه لا قيمة لها إن هو أصر على المقاطعة ومن ثم فإنه ولكي يحصل على الفائدة الحقيقية والثواب من الله عز وجل فإنه لا بد وأن يطبق المنظومة الأخلاقية بشكل كامل فالصيام يتبعه تنقية للنفس من الشوائب والعمل بكل طاقة من أجل تصفية الأجواء مع الآخرين.
والمشكلة الحقيقة فيما يتعلق بهذه القضية هو غياب الطرف الثالث الذي يقوم بتقريب وجهات النظر وإحداث المصالحة، فكم من مشكلات كثيرة بين أقارب أو أخوة لا تجد من يتطوع ويعطي من وقته وجهده لكي يعالجها وينهي الخلاف حولها ولقد أدركت من واقع تجربة عملية أن الكثير من الخلافات بين أهل الرحم الواحد لا تحتاج إلا إلى جهد بسيط يسبقه إخلاص لإنهائها ومن ثم إنهاء قطيعة استمرت لسنوات بل وأحيانا لعقود.
**مارست لسنوات طويلة العمل السياسي هل لكم أن تذكروا لنا بعض ذكرياتكم عن العمل السياسي في رمضان؟
- مما يحضرني الآن أن الحملة الانتخابية لمرشحي مجلس الشعب في برلمان 2005 تزامنت مع شهر رمضان الكريم خلال هذا العام، وكنت وقتها أقود اتحاد شباب أحد الأحزاب المعارضة، والتي كانت أحد أهم مكونات حركة كفاية، فيما قرر الجناح الشبابي بالحركة "شباب من أجل التغيير" أن يوزع شباب الحركة على المرشحين الوطنيين للمشاركة في حملاتهم الانتخابية، وبالفعل حدث تعاون كبير فيما بين اتحاد شباب حزبنا وعدد كبير من شباب حركة كفاية والفاعلين السياسيين آنذاك من بينهم على ما أذكر محمد عادل، الذي أصبح قياديا في حركة شباب 6 إبريل، والمدون وائل عباس وغيرهما الكثير ممن أصبحوا نجوما في عالم السياسية.
وكان أغلب نشاطنا خلال شهر رمضان، حيث كنا نجتمع في أحد مراكز الدراسات نبحث ونخطط لحملتنا طيلة النهار ثم نفطر سويا مع بعض القيادات السياسية ثم وبعد أداء صلاة العشاء والقيام نتحرك لنجوب شوارع الدائرة في صحبة المرشح نهتف وننشد ونخطب فكان من أجمل الشهور التي قضيناها.
**سلبيات تراها فى هذا الشهر الكريم؟
-الحقيقة أن مما آسف له بشدة كلما مر علينا شهر رمضان هي تلك الإحصائيات التي تتحدث عن ارتفاع معدل استهلاك المصريين خلال شهر رمضان على الرغم من أن الذي يفترض هو أن الصائمين لا يتناولون إلا وجبتين بدلا من ثلاث وهو ما يعني أن يتراجع الاستهلاك ليس أن يتزايد.. وهذا مؤشر على أن الكثيرين يتعاملون مع الشهر باعتباره شهر الإسراف والبذخ والاستهلاك وهو ما يتنافى مع المعنى الأصلي للصيام.
وهذا التزايد في الاستهلاك ينعكس بطبيعة الحال سلبا على أسعار الكثير من السلع بما فيها السلع الأساسية بالدرجة التي تصعب الحياة فيه على قطاعات شعبية كبيرة لا يمكنها أن تساير هذه الارتفاعات فيكون الشهر بالنسبة لها معاناة فوق المعاناة.
**أمنيات تتمناها على المستوى الشخصى وعلى مستوى الأمة الإسلامية؟
- على المستوى الشخصي تتعدد الأمنيات بحسب المرحلة العمرية وأمنيتي الآن أن يرزقني الله فرصة التفرغ لكي أكتب ما أشعر أنه إضافة حقيقية للمكتبة العربية وما يرقى لكي يكون علمًا ينتفع به إذ لدي إشكالية نفسية كبرى وهي شعوري بأن الكثير مما يكتبه الكتاب والباحثون هو إعادة إنتاج ما تم إنتاجه من قبل ومن ثم فإن محرك أصحابه الأساسي هو أن يكون لديهم كتب وُضعت على أغلفتها أسماؤهم فحسب لكن هذه الدراسات في حقيقة الأمر لا تضيف أي جديد أو تساهم بشكل أو بآخر في حركة الوعي التي يجب أن يمارسها المنوطون بذلك.
أما على المستوى العام فإني كنت ولا زلت أحلم باليوم الذي أشعر فيه بالحرية الحقيقية التي تمنح كل امرئ حق ممارسة حياته بلا خوف أو وجل وبلا حسابات أو موازنات أو الركون إلى أنه يعمل في مجال محدد أو ينتمي لفئة معينة.
والحرية في اعتقادي هي السبيل لتحقيق السعادة المنشودة وهي الباب الواسع لكي يحقق الناس طموحاتهم وتطبيق قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بل وهي الطريق الأصوب للبناء والتنمية واستعادة مجد هذه الأمة ومن ثم فإن أي حديث عن تنمية أو بناء دون حرية هو حديث خرافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.