في الثاني من يونيو الحالي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول الإرهاب، وأثناء إعلان التقرير أشار جاستين سيبريل، منسق مكافحة الإرهاب في الوزارة، إلى عودة الاختلاف بين فهم كل من واشنطنوالقاهرة للتطرف العنيف. وذكر سيبيريل أنّ "السياسات القمعية للحكومات، بما في ذلك الممارسات الأمنية، تكون أحيانًا عاملًا مساعدًا في زيادة حدة الراديكالية". ويشير زاك جولد، وإليسا ميلر، في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز، إلى تناقض هذه التصريحات مع الوثائق والتصريحات التي طرحها وزير الخارجية المصري سامح شكري في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مايو. وقبيل الاجتماع، أرسلت مصر، التي تولت رئاسة المجلس ذلك الشهر، ورقة مفاهيم تدعو إلى مناقشة كيفية مواجهة خطر "الجماعات الإرهابية المدفوعة بأيديولوجيات دينية"، مثل (داعش) وتنظيم القاعدة، والتي "تصدر وتنبع من نفس المفاهيم المتطرفة، التكفيرية والعنيفة التي انتشرت في منتصف القرن العشرين ... وصارت الأساس الفكري لهذه الجماعات". ولم تذكر ورقة المفاهيم الإخوان المسلمين صراحة، إلا أن تصريحات شكري أوضحت أن القاهرة تعتبر الجماعة كمشكلة. غير أن شكري ذكر بالتحديد سيد قطب، منظر الاخوان في منتصف القرن الماضي، وزعيمهم الفكري ومنهم الذي استمد منه العديد من جماعات الإرهاب أيديولوجياتها، منذ بداية النصف الأخير من القرن الماضي. وأكدت الخارجية المصرية أن جماعة الإخوان المسلمين هي أصل خطر الإرهاب كما نراه اليوم ". وأوضح شكري أن التطرف الإسلامي مبني على تفسيرات "مشوهة" للإسلام وأن الجماعات الإرهابية استغلت " الطفرات التكنولوجية" لنشر مثل هذه التشوهات. وكرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفس الفكرة. وفي أوائل العام الماضي، دعا السيسي إلى "ثورة دينية" للمساعدة في مكافحة التطرف وألقى المسئولية على عاتق أئمة الأزهر. وبينما ترى الولاياتالمتحدة أن أي جهود تهدف إلى مكافحة التطرف العنيف يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الجذور الأساسية للمشكلة: بمعنى المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل السكان عرضة للأيديولوجية المتطرفة. وخلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، أكدت سامانثا باور السفيرة الامريكية لدى الأممالمتحدة هذه، مشيرة إلى أن "اعتقال الصحفيين؛ والحكم بإعدام صحفيين؛ والتعامل مع وسائل الإعلام باعتبارها من أعداء الدولة، تؤدي إلى نتائج عكسية تماما. واضافت "انهم سوف ينشئون مواطنين مغتربين، ومتشككين، محرومين من التعبير ، وهو ما يفيد الجماعات الإرهابية." ويؤكد الكاتبان الاختلاف الملحوظ في تناول كل من مصر والولاياتالمتحدة لقضيتي الإرهاب، والتطرف. فقد دعمت تصريحات سيبريل وباور، ما ذكره انتوني بلينكن، نائب وزير الخارجية الامريكي ، في خطاب لمعهد بروكينجز حول استراتيجية إدارة أوباما لمواجهة داعش والأيديولوجيات المتطرفة العنيفة بوجه عام. وتتكون الاستراتيجية من خمس نقاط: توسيع الشراكات الدولية، ومساعدة الحكومات الشريكة، والحد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تساهم في التطرف العنيف، وتمكين الأصوات المحلية ذات المصداقية، وتعزيز سياسات إعادة التأهيل وإعادة الإدماج. وأكد بلينكن أن "جوهر استراتيجيتنا داخل كل هذه الأركان الخمسة – الالتزام بمبادئ... الحكم الرشيد والتعددية، و سيادة القانون والحريات الأساسية، و حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية ". وعلى الرغم من أن حكومة الولاياتالمتحدة، تعتبر دحض دعايات داعش التي تصدر تفسيرا مضللا للإسلام، مجرد عنصر واحد فحسب من عناصر استراتيجية شاملة ومتكاملة أوسع نطاقا، إلا أن المقال يوضح أن الاختلاف بين توجه كل من مصر الولاياتالمتحدة ، ربما لا يكون له تأثير كبير على التعاون العملي في مكافحة الإرهاب، في المدى القصير. حيث يؤكد البلدان باستمرار أنهما "شركاء" في مكافحة الارهاب، وتواصل الولاياتالمتحدة تقديم المساعدة العسكرية المصرية لمواجهة عناصر داعش في شبه جزيرة سيناء، والمساعدة الأمنية على الحدود الليبية. بيد أنهما يعتبران هذا الاختلاف تسبب في بعض المشكلات، ففي حين ترى الولاياتالمتحدة أن مواجهة التطرف العنيف يتطلب جهدا عالميا، تنظر مصر إلى القضية من منظور محلي أضيق نطاقا. وفي سبتمبر 2014، شكلت الولاياتالمتحدة تحالفا عالميا لمكافحة داعش، ووافقت مصر على الانضمام للائتلاف ولكنها أوضحت أن تركيزها سيكون على مكافحة الإرهاب داخل حدودها. وفي أكتوبر 2014، قال شكري لرويترز ان " الأهم بالنسبة للجيش المصري حماية حدود واستقرار البلاد." وأوضح ان مصر لا تعتزم تقديم مساعدات عسكرية مباشرة للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش. و انعكس ازدراء مصر لانتقادات الولاياتالمتحدة ، في إعلان مصر عقب لقاء بين شكري وباور قبيل مناقشة مجلس الأمن الدولي أنه ليس لأحد "الحق في التعليق على الشئون الداخلية" سوى المصريين والمؤسسات المصرية. و على الرغم من أن مصر دعت إلى "استراتيجية دولية شاملة" لمكافحة التطرف، لا يبدو أن هذه الإستراتيجية ممكنة مع الولاياتالمتحدة التي يفترض أنها أقوى حلفائها في مكافحة الإرهاب. وبينما تؤمن مصر إيمانا راسخا بأنها أفضل من يفهم كيفية حل مشاكلها الداخلية، تصر الولاياتالمتحدة على أن المعركة ضد التطرف ستكون طويلة، ولن تشمل فقط هزيمة الجماعات المتطرفة العنيفة، ولكن أيضا إزالة العوامل التي تساعد هذه الجماعات على تجنيد أعضاء جدد. ويدعوا الكاتبان البلدين، إلى إعادة تقييم مفاهيمهما المختلفة عن التطرف، بهدف العمل كشريكين حقيقيين ضد الإرهاب.