تكاد لا تمر إحنة إلا وتُعد العُدة لأخري،وما أن ظهرت مؤخراً علي السطح المصري ،في الجنوب منه(في قرية من قري محافظ المنيا) حادثة تعري إحدي السيدات المصريات بها وفق ماأشيع إلا وتعالت صيحات البعض بشكل أقرب إلي تزكية نار الفتنة منه إلي علاج المشكلة بشكل جذري،علي أسس قانونية واجتماعية! وفي تناول هذه المشكلة فأنا لا أريد أن أسلط الضوء علي الحدث ذاته،من حيث وقوعه بالفعلأم عدم وقوعه من الأساس، ولا من حيث تحديد المتهمين فيه إذا كان قد وقع،ولا من حيث تكييفه القانوني كجريمة إن ثبت وقوعها،ولا من حيث تحديد القواعد القانونية واجبة التطبيق علي هذا الفعل،والتي من خلالها يتم تحديد العقوبة المقررة ، فهذا كله مرده إلي جهات التحقيق من ناحية،وإلي جهات الفصل والحكم من جهة أخري.لكني هناأكتب هذه السطور إلي المصريين عامة،وإلي شركاء الوطن من الإخوة الأقباط بشكل خاص(يجب أن نلحظ هنا أن كلمة قبطي لا تعني في سياقها التاريخي مسيحي،بل إن المراد بها مصري،لكن درج استخدامها بمعني مسيحي عرفاً بين الناس). _ ياقبط مصرانتبهوا واعلموا أن واجب السعي إلي الحفاظ علي تحقيق الوحدة الوطنية في هذه الظروف العصيبة من عمر مصر قد أضحي فرض عين علي كل فرد يحيا فوق تراب هذا الوطن، وينعم بخيراته .وأنا هنا ليس لأعلق علي حادثة يراد لها أن تتكرر في ربوع الوطن العزيز، لا، بل أنا هنا لأقدم بين أيديكم حقائق ومبادئ الإسلام الحنيف في معالجة مثل هذه الضربات التي من شأنها الفتك بأمن البلاد، واستقرار أهلها.فهذا هو الإسلام يحث علي تحقيق الوحدة الوطنية في أبهي صورها بتشريع من رسول الإسلام ،محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم ،والذي قنن هذه الوحدة وسطرها كتابةً في قانون به كل صور المدنية،جسده أول دستور عرفته البشرية قاطبة ،وعجزت إلي الآن أعظم دول العالم ديموقراطية أن تأتي بمثله،ولن يآتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وذلك حينما أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يؤسس لأول دولة إسلامية في المدينةالمنورة، التي كان جُل ساكنيها قبل مجيئ النبي إليها من النصاري واليهود(سنة 1ه)، فكان مما حواه هذا الدستور المحمدي:(المؤمنون من المهاجرين والأنصار هم أمة واحدة من دون الناس.. وأن اليهود من رعية الدولة أمة مع المؤمنين،لليهود دينهم ،وللمسلمين دينهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين،لهم ما للمسلمين من النصر والأسوة والبر دون الإثم،وبينهم النصر علي من داهم يثرب (الوطن الذي يعيشون علي أرضه)، الذي هو حرم لجميع أهل هذه الصحيفة). _وماكان فعل النبي الحبيب صلي الله عليه وسلم وإقراره لهذا القانون كمشرع ثانٍ كما قال علماء الفقه والسياسة الشرعية إلا تبياناً وتوضيحاً وتجسيداً عملياً لما وضعه الله سبحانه وتعالي، الواحد الأحد، المشرع الأول من قواعد قانونية عامة تنظم الحياة بين المسلمين أنفسهم،وبين المسلمين وغير المسلمين في هذا الجو الجديد للحياة في المدينةالمنورة، حينما امتن علي الجماعة الإسلامية بأن ألف بين قلوبهم،وجعل من هذا التأليف بين من اطمأنت قلوبهم للإيمان الإسلامي وبين من لم يجمعهم بالمسلمين هذا الجامع واحداً من مقاصد النظام الإسلامي لبناء الوحدة الوطنية بين الرعية التي جمعها الوطن الواحد،ولم يجمعها الإيمان بعقيدة الإسلام، فقال جل في علاه في سورة الأنفال:" وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي 0لأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ 0للَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" _ لقد وعي الفقيه القانوني عبد الرزاق السنهوري هذا الهدف،فأكد عليه في مذاكرته فقال أن المدينةالمنورة التي هاجر إليها رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم ليست وطناً للمسلمين المهاجرين وحدهم، ولا للأنصار من أهل المدنية وحدهم، ولا للنصاري أو اليهود الموجودبن بالمدينة وحدهم، بل هي هي وطن مشترك للجميع، يعيشون فوق أرضه،وينعمون بخيراته،فكان مما سطره السنهوري :(إن المدينة الإسلامية هي ميراث حلال للمسلمين والمسيحين واليهود من المقيمين في الشرق، فتاريخ الجميع مشترك، والكل تضافروا علي إيجاد المدينة). _يا قبط مصر انتبهوا : فكل الوثائق الصهيونية قد حددت الهدف من خلالكم، وجعلت هدفها الأول تفتيت كل بلاد العروبة والإسلام ،وجعلت مفتاحها في ذلك هو تفتيت مصر.والأدهي من ذلك أن تلكم الوثائق قد حددت مكان إشعال الفتن التي يجب أن يركزوا عليها ،وأن تُشعل نار الفتنة من خلالها،وهي محافظات الصعيد،نظراً لكثافة عدد المسيحين بها. وليس ما أقوله أضغاث أحلام، بل هو ما تم نشره نصاً في مجلة المنظمة الصهيونية (كيفانيم)kivanim في 14 فبراير 1982م ، والذي تناوله الأستاذ محمد السماك في كتابه الأقليات بين العروبة والإسلام ،وكان مما نشر بالمجلة ما نصه:(.. إلا أن دولاً مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منهما لن تبقي طويلاً علي صورتها الحالية، بل ستقتفي أثر مصر في انهيارها وتفتتها، فمتي تفتت مصر تفتت الباقون. إن رؤية دولة قبطية في صعيد مصر إلي جانب عدد من الدول ذات سلطة أقلية مصرية ،لا سلطة مركزية كما هو الوضع الآن هو مفتاح هذا التطور التاريخي الذي أخرته معاهدة السلام، لكنه لايبدو مستبعداً علي المدي الطويل). _انتبهوا ياقبط مصر: فنحن وكما سطر رجال السياسة والقانون المخلصين أمام مخطط معلن لانهيار مصر وتفتيتها،ولسنا أمام مؤامرة سرية.نحن أمام مخطط يقوده أقباط المهجر الذين ينفخون الكيرَ في كل طارئ أو حادث قد يطرأ علي أرض مصر،سواءً كان الحدث عاماً يمس كل المصرين، أو خاصاً يمس المسلمين فقط، أو الأقباط فقط. فأغلب أقباط المهجر،لا سيما هؤلاء الذين يعيشون بأمريكا وكندا واستراليا،والذين التحق معظمهم بأجهزة الاستخبارات المعادية يضمرون الشر كل الشر لمصر وأهلها لأسباب تاريخية،لعل من أهمها تلك التي قضت علي الإقطاعيات التي كانوا يسيطرون عليها ظلماً وعدواناً،كقانون الإصلاح الزراعي1952م، وقوانين التأميم 1961. _ياشركاء الوطن الحبيب: انتبهوا ،فإن الأعداء يتربصون بكم الدوائر، ويستغلون أي صحوة إسلامية في إخافتكم، لتبرير الاحتماء بالعلمانية الغربية، ويستخدمون لذلك بوقهم من العلمانين،مسلمين وغير مسلمين، التي تتحدث باسمهم وإن أخفت ذلك وادعت أنها تتحدث باسم الوطنية .فمراكز البحث في داخل مصر،استقطبت غلاة العلمانين وسواقط الماركسية علي حد تعبير رجال السياسة الشرعية لتعد الملفات عن ما يسمي باضطهاد الأقباط ،وهموم الأقباط، ومظالم الأقباط، تلك الملفات التي يفتحها ويستخدمهاأقباط المهجربالخارج لتدمير وحدة مصر بالداخل. وكان علي رأس المراكز التي دعت إلي تفتيت الدول العربية إلي دويلات فيدرالية ،يتمتع كل منها بحكم ذاتي، لتحقيق تعددية سياسية مركز بن خلدون،علي لسان رئيس المركز الدكتور سعد الدين إبراهيم، في كتابه التعددية الإثنية. وكأن التعددية السياسة في بلد ما لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم تفتيت الدولة إلي أقاليم متناحرة! وليس أدل من ذلك ما قامت بهالمفوضية الدولية لأصدقاء الأممالمتحدة،وفق ما نشرته العديد من الصحف ،ومن بينها الدستور بتاريخ الإثنين ،30مايو2016م علي لسان الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا من دعوة السيدة سعاد ثابت، سيدة المنيا التي قِيل بتعريتها، لتكريمها بالعاصمة البلجيكية بروكسيل خلال الفترة القادمة لدورها الإنساني،ثم تكريم الأنبا مكاريوس ومنحه جائزة سفير للنوايا الحسنة والسلام! فمع كل التقدير لوالدتنا الحبيبة سعاد ثابت، وللأخ مكاريوس، لكن: ماهو الدور الإنساني الذي قامت به السيدة سعاد ثابت؟ ولما لم يهتم بها من قبل هذا؟ ولماذا الآن منح الأخ مكاريوس مثل هذه الجوائز؟ألم يكن معروفاً لديهم من قبل،؟! ألم تكن له ثمة مساهمات وأدوار جديرة بالتكريم من وجهة نظرهم؟ نبئوني بعلم إن كنتم صادقين. _يا قبط مصر انتبهوا : فالمشروع الغربي لا رابطة بينه وبين المسيحية الشرقية ،ومنها الأرثوذكسية المصرية، التي هي جزء من نسيجنا القومي والحضاري والثقافي والقيمي، إذ أن مسيحية الغرب لا تعترف بمسيحية الشرق،لكن الغرب والصهيونية يتخذان من مسيحية الشرق وسيلة للعب بها في معركته الشرسه ضد محاولة اليقظة الحضارية لأمم الشرق وشعوبه . يا قبط مصر إن الإسلام والمسيحية الشرقية كما علمنا أساتذتنا وعلمائنا في خندق واحد، خندق وطني وقومي وحضاري واحد تجاه المشروع الغربي الصهيوني. بل اعلموا يا شركاء الوطن أن مسيحية الشرق والإسلام يمثلان وحدة واحدة في النسق الأخلاقي،ومنظومة القيم الإيمانية،وهذا ما يؤكد عليه رب العزة جل في علاه حين قال في قرآنه في سورة الشوري:" شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ " وهي بهذه القيم علي النقيض من منظومة القيم الغربية، التي أضحت منبتة الصلة بالمسيحية الخالصة،التي هي في الأصل إسلام وإن اختلفت شريعتها، إذ قد ذهبت هذه القيم في الوضعية والمادية والإنحلال إلي حد لا يرضاه أي دين من الأديان سماوياً كان هذا الدين أو وضعياً. _يا قبط مصر: أكرر علي أذهانكم ما سطره الأجلاء من علماؤنا حينما قالوا حرام أن يفرق الغرب المادي ما جمعته القيم الإيمانية الموحدة لأتباع محمد والمسيح عليهما السلام،وما وحدته الثقافة، واللغة الوطنية، والحضارة عبر تاريخنا الطويل، خصوصاً عندما نكون جميعا في ركاب سفينة الوطن الواحد . أقول لكم ما قاله سيدنا حاطب بن أبي بلتعة للمقوقس عظيم القبط في مصر،حينما وصل إليه كمبعوث دعوي من قبل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم :(.. وما بشارة موسي بعيسي إلا كبشارة عيسي بمحمد ،وما دعائنا إياك إلي القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلي الإنجيل،ولسنا ننهاك عن دين المسيح،ولكنا نأمرك به). _ياقبط مصر أنتم شركاء الوطن،وإقامة العدل بينكم ليس منة من أحد،بل هو فرض وواجب ديني،وحق لكم أوجبه علينا الإسلام الحنيف. وفي تأكيد حقكم في إقامة العدل فيكم يقول الله الواحد الأحد في سورة النساء:"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" ،ثم يأتي ماهو أجمل وأروع من مجرد الأمر بإقامة العدل بين الناس،كل الناس، بغض النظر عن ديانتهم أو جنسيتهم،ليؤكد الله سبحانه وتعالي علي المسلمين أن عليهم إقامة العدل بين غير المسلمين حتي ولو كانوا يكرهونهم، فلا يجب أن يكون الكره أياً كان سببه أو دوافعه سبباً لعدم العدل بين غير المسلمين ،وبخسهم حقوقهم، فيقول الله الواحد الصمد في سورة النساء:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ". ثم يأتي رسول الله عليه وسلم ليقرر ويؤكد علي ما شرعه الله ، فيقول في الحديث الذي رواه الإمام مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :"إنَّ المُقْسِطِينَ عند الله على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمينِ الرَّحْمنِ - وكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهمْ وَمَا وَلُوا" فأنتم يا قبط مصر من ولي أمركم المسلمون،وعليهم العدل فيكم.يا قبط مصر: إذا كان رسول الله يعلن علي الملأ أن ذمة الله بريئة من أي جماعة، صغيرة كانت أو كبيرة تبيت شبعي وبينهم شخص واحد جائع، فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد :".. أَيُّمَا أَهْلِ عِرْصَةٍ بَاتَ فِيهُمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ ". فما بالكم علي حد قول علماؤنا بمن يرضي أن يقع الظلم علي جماعة من الجماعات، سواءً كانت أقلية تظلمها الأغلبية،أم أغلبية تستعدي عليها الأقلية الحمقي والطغاة والظلمة ؟! فإياكم أن تفكروا كما فعل القلة من استدعاء الطغاة من الغرب علي مصر وطننا. _ يا قبط مصر اعلموا أن الإسلام هو من حرر النصرانية وكنيستها، فأنقذها من الإبادة الرومانية المحققة،احتضنها وحافظ عليها. يا قبط مصر إن الإسلام حين جاء إلي مصر فاتحاً ومنقذاً فقد حل قانونه محل القانون الروماني(قانون جستينيان)، الذي كان يطبق علي كل أهل مصر ،والذي بقواعده تم تحريق ما يقرب من 200,000 من أقباط مصر. ياقبط مصر لقد جاء الإسلام ليضع عن أجدادنا الأقباط الأغلال التي قهرتهم،وكبلت ثقافتهم،ووطئت عقيدتهم وحضارتهم لقرون عدة. أفبعد كل هذا يمكن أن تهون عليكم مصر؟! إن هانت عليكم فلن تهون علينا ونحن أحفاد الأقباط. أجدادنا أقباط، منهم من رضي الإسلام دينا، ومنهم من رضي البقاء علي حاله فلم يعتنق الإسلام،وكلاهما أهل مصر.ياقبط مصر سيف القانون علي كل أهل مصر،من جاء بالحسنة فله خير منها،ومن جاء بالسيئة فلا يُجزي الذين عملوا السيئات إلا ماكانوا يعملون. ولاتزر وازرة وز أخري، والسلام .