أى عملة فى الدنيا لها وجهان لا يمكن رؤيتهما معاً فى وقت واحد.. وإنما عليك أن تختار بين الملك والكتابة رغم أنه لم يعد هناك ملوك ولا هذا هو زمن الكتابة.. كذلك مونديالنا الذى هناك فى الجنوب الأفريقى.. له أيضاً وجهان ولكن يمكن رؤيتهما معاً فى نفس الوقت.. وهذا هو سحر كرة القدم التى تسمح بكل شىء.. للصعاليك أن يكونوا نجوماً وللمهاجرين أن يصبحوا أباطرة ولكل واحد فينا أن يكون مشجعاً ولاعباً وحكماً ومدرباً ورئيساً للفيفا فى نفس الوقت.. الوجه الأول.. والدائم.. لهذا المونديال هو ذلك الذى نراه كل يوم فى الملاعب وعلى أوراق الصحف وشاشات التليفزيون.. مباريات ومفاجآت وأهداف وحواديت لا أول لها ولا آخر عن الذى لم يكن يستحق الفوز أو الخسارة.. أما الوجه الآخر لنفس المونديال فهو الحسابات السياسية والاقتصادية والإعلامية التى يقوم بها أصحابها سراً وعلانية.. والحمد لله أن صحافة الرياضة فى مصر أدركها أخيرا النضج السياسى فلم نعد نقرأ ذلك العبث الذى كنا نقرأه كل أربع سنوات عن المونديال والسياسة حيث كانت صحافة الرياضة فى مصر تختصر الحكاية كلها فى رئيس أو ملك يتابع مباراة على شاشة تليفزيون أو رئيس فى الملعب يحمل علم بلاده أو حكومة تؤجل اجتماعاً وبرلمان يلغى جلسة لمشاهدة مباراة.. فلم يكن صحيحاً أبداً أن هذه هى حقيقة زواج المصالح بين المونديال والسياسة.. فالمسألة دائماً أعمق وأخطر من ذلك.. فالمراسلون السياسيون فى «واشنطن بوست» اكتشفوا أن البيت الأبيض عاجز عن إخفاء سعادته بالهزائم والإحباطات الأوروبية فى المونديال الحالى.. هزائم وفضائح وعروض خائبة للإنجليز والفرنسيين والألمان والطليان.. وإذا كان البيت الأبيض فى واشنطن سعيداً بكل ذلك لأنه يرى الإخفاقات الكروية تكمل دائرة تعثر أوروبا الاقتصادى وتبقى دلالة على أفول بعض نجوم القارة العجوز.. فإن الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز.. المغضوب عليه سياسياً من أوروبا والولايات المتحدة.. تحولت فرحته إلى شماتة صريحة ومعلنة فى الأسياد القدامى للكرة العالمية.. وعلى شاشة التليفزيون كان شافيز يضحك ساخراً من الأوروبيين وإعلامهم وكرتهم، معلناً أن المستقبل ليس زمانهم.. وقد كانت هناك مصالح سياسية عليا تعتمد بشكل مباشر على بعض نتائج هذا المونديال.. فالرئيس فى كوريا الشمالية.. كيم جونج.. خذلته سبعة أهداف أحرزها البرتغاليون فى مرمى منتخب بلاده وهروب أربعة لاعبين من المعسكر المحاصر فى جنوب أفريقيا بموافقة الفيفا ومساعدته.. وهو الذى كان يأمل فى نتائج ومفاجآت تعينه على تحسين صورته فى العالم بعدما قرر قبل انطلاق المونديال مباشرة تغيير رئيس حكومته وتعيين ثلاثة وزراء جدد بينهم وزير للرياضة.. وكانت هيلارى كلينتون وزيرة خارجية أمريكا تتمنى فوز شيلى ليعاونها الفوز فى إقناع اللاتينيين بعودة شيلى لمنظمة الدول الأمريكية والاعتراف بنظام الرئيس لوبو.. فالكرة فى أمريكا اللاتينية تستطيع ذلك.. وتقارير إدارة الرياضة فى الخارجية الأمريكية قدمت لهيلارى تقارير تراهن على منتخب شيلى وانتصاره فى ملعب كرة لتعود شيلى دولة معترفاً بها سياسياً.. ورئيس وزراء اليونان جورج باباندر وتمنى انتصارات لمنتخب اليونان لينسى الناس أن بلادهم باتت أول دولة أوروبية توشك على الإفلاس والانهيار.. وحسابات أخرى كثيرة فى معظم بلدان العالم تعنى أن لهذا المونديال بالفعل وجهاً آخر بالتأكيد لا يحمل عفوية الكرة وبراءتها. [email protected]