ذهبت إلى أسامة أنور عكاشة، مؤلف (ليالى الحلمية) ونجم التليفزيون الذى لا يشق له غبار.. مرتين: الأولى فى معسكر التصوير باستديو الأهرام، والثانية فى منزله المطل.. أيضاً على منطقة الأهرامات.. وفى المرة الثالثة.. تحاورنا. فى معسكر التصوير لم تخل أجواء البلاتوه من بعض التوتر. إذ بينما تذاع الحلقة العاشرة من المسلسل.. كان أكثر من نصف عدد الحلقات.. حبراً على ورق (أى لم يتم الانتهاء من تصويره)، مما كان يهدد بالتوقف عن إذاعة 15 حلقة فقط، وتأجيل إذاعة باقى الحلقات لحين الانتهاء من تصويرها. وهو حل غير موضوعى وغير جماهيرى أيضاً. (هكذا قال أسامة). أى نعم.. سارت الأمور فيما بعد على ما يرام، بفضل بسالة طاقم العاملين فى المسلسل، غير أن مشكلة شهر رمضان الذى يأتى كل عام «فجأة!!» ليدق أبواب التليفزيون المصرى بلا سابق إنذار.. مازالت قائمة. إلى ذلك (يضيف أسامة).. هناك «دلع» الممثلين الشبان وانشغال بعضهم بأمور ليست بالضرورة وثيقة الصلة بفنهم أو حتى بتأمين أنفسهم ضد غوائل الزمن. (قيل لى مثلاً إن آثار الحكيم مشغولة هذه الأيام بالتفكير.. فى إنجاب طفل ثان..!!). مقابل ذلك.. يقدم يحيى الفخرانى وصلاح السعدنى وصفية العمرى وسيد عبدالكريم ومحسنة توفيق وزيزى البدراوى وغيرهم من كبار الممثلين.. درساً فى الالتزام وتقدير المسؤولية. وبعضهم - يحيى الفخرانى مثلاً - ألزم نفسه بالذهاب إلى البلاتوه كل يوم، سواء ب«أوردر» أو بدون «أوردر» تصوير. وقبل أن نترك البلاتوه.. كان يحيى الفخرانى - سليم البدرى على سن ورمح - قد أعاد تصوير أحد المشاهد ربما أكثر من عشرين مرة، واستهلك نصف علبة سيجار تقريباً. وبصوت هامس قال لى أسامة إن يحيى من النوع الذى يؤدى المشهد مرة واحدة فقط. فإذا تعثر أداؤه فى المرة الأولى.. تأثر تركيزه بعض الشىء، ولكنه فى النهاية «غول تمثيل». وعندما انتهى من أداء المشهد.. عابثه شوقى شامخ قائلاً بخفة ظل: طول ما انت مشغول بالستات مش حتعرف تركز فى التمثيل. فضحك سليم البدرى ضحكته التى نعرفها، وبوغت بذراعى لوسى تحاولان الإحاطة - دون جدوى - بقفصه الصدرى. وجاءت نورهان - سمية الألفى - لتحية أسامة، فوجدت هشام - ابنه - واقفاً بجواره. سألت عن أمر «خطوبتهما»، فرد هشام: لسه شوية!! وتدخل أسامة قائلاً: عامل حساب لابوه، وضحك الجميع بقلب خالص. قبل أن يصرخ إسماعيل عبدالحافظ: جاهزين..؟ ويتكهرب الجو من جديد. وفى إحدى الغرف المخصصة لطاقم العمل بالمسلسل.. سيطرت على الحديث أصداء معركة (الأنون وسيادته).. المسرحية التى كتبها أسامة. واشترى جلال الشرقاوى عنوانها ليقدم تحته نصاً مسرحياً من بنات أفكاره، ويتهم أسامة (الذى أعلن براءته من المسرحية) بأنه يختلق المعارك للترويج لاسمه على صفحات الصحف، ولكى يضع نفسه موضع النجوم.. (!!). وبدخول «سلطان» توقف الحديث لحظة، ثم طلبت منه لوسى «اتضح أنها زوجته» أن يقص على الجالسين آخر إشاعات «حزب» مصطفى إسماعيل، اللص المدعى فى قضية مسلسل «الراية البيضا». فقال سلطان إن الوسط الفنى يثرثر الآن بالحديث عن «ورشة» لكتابة السيناريو يديرها أسامة أنور عكاشة من الإسكندرية (!!) ضحك أسامة وقال بهدوء وثقة: بعض الناس ما زالوا غير مصدقين أننى لا أفعل شيئاً فى حياتى.. إلا الكتابة. ثم أضاف مؤكداً: هذا أمر طبيعى.. لا يزعجنى، أما غير الطبيعى فهو أن تكون مميزاً ويتركك الآخرون لحال سبيلك. وفى شقته الجديدة قرب منطقة الأهرامات.. التقينا ثانية. كان أسامة يجلس وراء مكتب ضخم، فوقه مجموعة أقلام «فلوماستر» متعددة الألوان، وورق كثير بأحجام مختلفة، ودوسيهات، وتحف، وصحف، وغليون، وكيس تبغ، وحلقة من مسلسل «مازال النيل يجرى»، الذى سيخرجه محمد فاضل. وعلى أحد الجدران شهادتا تقدير من التليفزيون المصرى والمركز الكاثوليكى. ولا أذكر أننى رأيت صورة واحدة لجمال عبدالناصر. ورغم ذلك لم يثر الأمر اهتمامى أو دهشتى. قلت لأسامة ضاحكاً: رحم الله أيام شقة الجيزة. فقال متأسياً بعض الشىء: نفسى أرجع أكتب قصة. قلت: كتاب القصة يحسدونك، قال: ليالى الحلمية هلكتنى وأفكر فى «مغامرة». قلت: ألم تكن تفكر فى تحويل بعض أو كل أعمالك إلى أدب مقروء؟ قال: جمال الغيطانى أخذ منى حلقات الجزء الأول من (ليالى الحلمية) على أمل أن تطبعها مؤسسة الأخبار فى كتاب، ولا أدرى ماذا حدث؟ ثم انتقل أسامة إلى مقعد قريب من جهاز التليفزيون، حيث أطل رأفت الهجان. سألت بلا حرج: ما رأيك؟ أجاب على الفور: الأهم من خلافنا حول رأفت الهجان كعمل فنى.. هو أنه يعيد إلى أذهان الشعب المصرى حقيقة اسمها الصراع العربى - الإسرائيلى. قلت محاولاً استفزازه: كاد الهجان أن يرد بعض الاعتبار لزمن العبقرية الفردية.. لولا إستر وليليان وسيرينا ومونيكا.. فقال مقاطعاً: لعلك قرأت ما كتبه الأستاذ هيكل رداً على دعاة بيع القطاع العام..!! قلت: غداً الاثنين - وهذا هو الأهم - سينشر الأهرام أولى حلقات (الانفجار - 67) - الجزء الثالث من شهادة هيكل على ما جرى فى الخمسينيات والستينيات. وفى هذا الجزء يتناول هيكل نفس الفترة التى تتناولها أنت.. فى حلقات (ليالى الحلمية) المذاعة الآن. أهى مصادفة.. أم من الأفضل أن نبدأ الحوار؟ قال: أنا تحت أمرك. فيديو جنازة «سيد الدراما التليفزيونية» على الرابط التالى: