فى أثناء معركة الرئاسة الأمريكية، التى دارت فى نوفمبر قبل الماضى، بين أوباما من ناحية، وبين «ماكين» من ناحية أخرى، لم يكن أحد فى ذلك الوقت، مهما كانت براعته فى التحليل السياسى، قادراً على أن يخمن أيهما سوف يفوز!.. وكانت كل محاولة فى هذا الاتجاهل مصيرها الفشل الذريع! ومن فرط الحيرة بين الاثنين وقتها، فإن الكاتب الكبير صلاح منتصر دخل فى رهان مع الدكتور زاهى حواس، على أن أوباما هو الذى سوف يفوز، وكان رهان الدكتور زاهى، من ناحيته، على أن «ماكين» هو الفائز المؤكد، وحين خسر الرهان، فإنه أقام مائدة عشاء فاخرة فى ماريوت، حضرها الذين كانوا شهوداً بينهما! وكان معنى القصة على بعضها، أن فى أمريكا انتخابات، بدليل أن كل متابعيها، على امتداد الأرض، وليس فى أمريكا وحدها، ظلوا عاجزين تماماً عن التنبؤ بما سوف تؤدى إليه المعركة! وحين جرت انتخابات إنجلترا، يوم 6 مايو الحالى، فإن المشهد ذاته قد تكرر، وكانت فرصة «براون» تكاد تكون متساوية تماماً، حتى قبل إعلان النتيجة بدقيقة واحدة، مع فرصة «ديفيد كاميرون» زعيم المحافظين، الذى أحرز الفوز فى النهاية، بفارق ضئيل للغاية، ولكنه فارق دفع به إلى الجلوس على رأس الحكومة البريطانية الآن! وكان معنى القصة، مرة أخرى، أن فى لندن انتخابات! وعندما كان ساركوزى ينافس امرأة فى باريس قبل عامين، كان من المستحيل أن تتنبأ بما إذا كان هو، أو هى التى سوف تفوز، فلما حصلت هى على 46٪ من الأصوات، وفاز هو، كان معنى القصة على بعضها، للمرة الثالثة، أن فى فرنسا انتخابات! وكنا فى مصر نفتقد شيئاً من هذا النوع، إلى أسبوع مضى، فلما أعلن «الوفد» فتح باب الترشيح، على رئاسته، أصبح لدينا، فى الوقت الحالى، ما كنا نتابعه زمان فى عواصم أخرى! فالدكتور محمود أباظة ينافس الدكتور السيد البدوى، على رئاسة الوفد، التى سوف تجرى انتخاباتها الجمعة بعد المقبلة، وكلاهما يبدو قوياً، ولا أحد داخل الوفد، أو خارجه، يعرف إلى هذه اللحظة، بل وحتى قبل إعلان النتيجة بدقائق، مَنْ منهما سوف يكون على رأس الوفد، لأربع سنوات مقبلة.. ولا أحد يعرف ما إذا كان «أباظة» سوف يفوز بفترة رئاسة ثانية وأخيرة، أم أن «البدوى» سوف يحصل على فترة رئاسته الأولى.. لا أحد مطلقاً.. يبقى معنى القصة على بعضها، للمرة الرابعة، أن فى الوفد، هذه الأيام، انتخابات. وحين يتابع المرء سباق الاثنين، فإنه يشعر بأن كليهما لا يخاطب أعضاء الهيئة الوفدية، ببرنامجه الانتخابى المعلن، بقدر ما يخاطب الشارع المصرى، فى إجماله، وبقدر ما يخاطب فى الوقت ذاته «النموذج» الذى يجب أن يسود فى انتخاباتنا كلها، وليس فى الوفد وحده! وقد كُنا نظن، أن انتخابات من هذا النوع، سوف تظل عندنا منزوية، داخل أسوار النوادى وحدها، وكنا نتابعها فى كل مرة، ما بين نادٍ وآخر، ثم نحزن على حالنا، إلى أن جاءت معركة الوفد الحالية، لتكون هى المرة الأولى، التى تدور فيها معركة، بين قطبين متساويين، لكل واحد منهما فضله وبأسه، ولا تعرف بالتالى، أيهما سوف يحسمها لصالحه، ليبقى الفائز الحقيقى فى النهاية، بصرف النظر عن الاسم، هو الوفد ككيان عريق، ثم هذه الأمة المصرية التى تستحق قطعاً أن تحيا فى مستوى أفضل بكثير، مما تعيشه! وإذا لم يكن لمحمود أباظة فضل سوى أنه أتاح لمعركة هذه هى طبيعتها، أن تدور، فهذا يكفيه، ويزيد، وإذا لم يكن له فضل سوى أنه خرج ب54٪ قالوا نعم له، مقابل 46٪ قالوا: لا، حين استفتى الهيئة الوفدية، قبل أسبوعين، على لائحة الحزب، فهذا أيضاً يكفيه، ويزيد! أنت، مهما كانت مهارتك، فى قراءة تفاصيل المشهد وخطوطه وتقاطعاته، لا تستطيع أن تراهن على أيهما.. وهى شهادة مؤكدة للرجلين! فى جميع انتخاباتنا، كنت تعرف أنت، وأعرف أنا، اسم الفائز المؤكد، مسبقاً.. إلا فى «بولس حنا» مقر الوفد، فأنت لا تعرفه.. ولذلك، فإن فيه انتخابات!