الذى يدور الآن من محاورات ومجادلات ومصادمات فى المجال الإعلامى الفكرى والثقافى قد يكون ظاهرة إيجابية من ناحية أنه على الأقل دليل يقظة وحيوية، إذا تخلص من هواة الشهرة وفرسان الإثارة ومدعى العلم والمستأجرين لتضليلنا عن المسيرة المعاصرة التى نكون فيها أو لا نكون. والأمر الذى لا شك فيه أن الحوار الرفيع هو هدف الإنسان المثالى، وهو أحسن استثمار للقدرات البشرية التى ميز الله بها الإنسان عن جميع المخلوقات، وفطره سبحانه على الاختلاف الإيجابى البناء، ولم يخلقه أمة واحدة لكى يكون الحوار الرقيق المهذب سبيلاً إلى الالتقاء الحميم للوصول إلى الحقيقة الكاملة من جميع زواياها لتتحقق حكمة الله من خلق الكون الذى يقوده الإنسان الكامل خليفة الله فى الأرض حسب المشيئة العليا. وندعو أن يوفقنا الله إلى الكشف عن قداسة الكلمة وأهميتها فى حياة الإنسان، ومما يحيرنا حقاً فى هذه الأيام ما نسمعه ونراه فى مجال الكلمة مما يكاد يحيد بالناس عن الطريق ويخلط معانى الكلمات، ومن هذا الخلط ما جاء فى مقال الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى فى (الأهرام) بعنوان «العلمانية هى الحل» وزعم فيه أن العلمانية (بفتح العين) هى الطريق إلى الديمقراطية، وأن الوحى هو الطريق إلى الآخرة، وأن العقل هو الطريق إلى الدنيا، وأن الفصل بين الدين والدنيا مبدأ من مبادئ الديمقراطية وتحرير العقل، وقد حاولنا فى مقالنا بعنوان «الفرق بين الكسرة والفتحة» تفنيد رأى الأستاذ حجازى ونوضح أن الوحى هو مرشد العقل، وأن العقل أداة الإنسان لفهم الوحى، وهو رسالة الله لهداية البشر فى الدنيا والآخرة. وكان المنتظر بما تقتضيه مسؤولية الكلمة أن يتناول الأستاذ حجازى الموضوع بكل ما يتاح له من علم ومقدرة ليكشف الحقيقة الساخرة أمام القراء، وبهذا يحسن أداء رسالة القلم، ولكنه نكص عن هذا وعاد للكتابة فى 14/4/2010 بعنوان «أنا وتوفيق الحكيم وبتهوفن» فإذا به يطرق موضوعين فى منتهى الخطورة الثقافية والسياسية بسطحية مبالغ فيها، ويدير الحديث حول (الأنا) التى لا يتسع لها الوقت فى هذه الأيام الحرجة، ويقول للأجيال المعاصرة والمستقبلية التى لم تعش الفترة، وفى أعناقنا أن نقول لها الحقيقة، ولا نزيف التاريخ الذى سنسأل عنه، ولكن الأستاذ حجازى سامحه الله يقول إنه خاصم العقاد شعراً فى أول الأمر، وهو ما يأسف له، ولكنه عندما اكتشف عظمة العقاد بعد ذلك صالحه نثراً واعترف به، وفى هذا تزييف للتاريخ وكذب فى الوقائع، فالتاريخ الصادق، ونحن شهود عليه، يقول إن العقاد العظيم عاش ومات رحمة الله عليه يؤمن بالشعر العمودى الموزون المقفى الذى تشهد به دواوينه العشرة، وكان يخاصم ويحارب بضراوة شديدة، خاصة وهو مقرر لجنة الشعر التى كنا من أعضائها، مدرسة شعر التفعيلة التى يعتنقها الأستاذ حجازى، وهذه مواقف أدبية، وليست جرائم يعتذر عنها الأستاذ حجازى، إذا كان صادقاً مع مواهبه وإبداعه، ثم إن العقاد كان يعادى الاشتراكية التى يؤمن بها حجازى، وشعر الشاعرين موجود وشاهد على ذلك. أما العثرة الثانية التى سقط فيها الأستاذ حجازى فهى حديثه عن عبدالناصر وثورة 52، فيقول إنه فى أول الأمر خدع فى الثورة وعبدالناصر وقال فى ذلك شعراً، ولكنه اكتشف أخيراً أنه أخطأ فهجا سراً وعلناً، نثراً وشعراً، تلك الثورة التى لم تكن ثورة، ولكنها كانت وسيلة تسلط، وهكذا بكل بساطة يجرؤ هذا الأستاذ على هذا القول أمام الأجيال التى ستسخر منه حتماً أمام وقائع تاريخ أمة عظيمة لأكثر من نصف قرن من الزمان، استطاعت فيه هذه الأمة وراء زعيمها أن تحقق عظائم الأمور التى لا ينكرها عاقل مهما كان إدراكه، فقد تخلصت من الملكية بأسلوب حضارى رائع رفيع انفردت به بين جميع ثورات العالم، وتخلصت من الإقطاع الظالم ووزعت أرض الإصلاح على فقراء الفلاحين وشيدت السد العالى لحفظ المياه للأرض والإنسان، وأممت قناة السويس فأعادت لمصر حقوقها وكرامتها... و... و... ولعل الأستاذ بعقله وعلمه وقدراته يعرف أن الذى فعل هذا كله بشر بتوفيق الله، والبشر فى كل زمان ومكان لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، من هنات صغيرة هنا وهناك، والأستاذ حجازى أخيراً يضع نفسه مع توفيق الحكيم أو مع بتهوفن وهو حر ولكن الحكم ليس له. فهل يا ترى ينعم الله علينا وعلى أجيالنا اللاحقة بكتاب يؤمنون بقداسة الكلمة ويحسنون الإيمان بالله والوطن ويساعدوننا على اللحاق بالأمم المعاصرة الناهضة ويدفعوننا إلى العمل الصالح الذى يضمن لنا السعادة فى الدارين الدنيا والآخرة! ومن اللافت أن الأستاذ حجازى عاد لتناول الموضوع فى 28/4 تحت عنوان خادع «الرجوع إلى الحق»، فعاد إلى الكلام الذى يكذبه الواقع وهو بهذا يعتدى على الحق ويهين الكلمة ويساعده من ينشر له.