ما أرخص الإنسان فى هذا الزمن!!. إنه يذبح ويسحل علنا على خلفية صيحات: «الله أكبر»، فى أبشع مجزرة ضد الإنسانية تمت فى «كترمايا»!. ما علاقة تطبيق الشريعة الإسلامية بأناس تفوقوا على آكلى لحوم البشر وهم ينكِّلون ب«مسلم» - مشتبه به؟. لقد نهت الشريعة الغراء عن التمثيل بالجثث: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» صدق رسول الله. فكيف تحولت تلك البلدة المناضلة، (قدمت أربعين شهيداً خلال الاجتياح الإسرائيلى للبنان)، من مقاومة الوجود الصهيونى إلى الإطاحة بالدولة اللبنانية نفسها؟؟. هل معنى ذلك أن لبنان تحكمه «الميليشيات»، وأن «عدالة الشارع» أقوى من الجيش اللبنانى وقوات الأمن الداخلى؟. أم أن سنوات الحرب الأهلية الطويلة جعلت من «كترمايا» إمارة مستقلة، يصطدم فيها الجنائى بالإنسانى، ويغيب عنها الدبلوماسى والقانونى والدينى. لو علمنا أن سكان «كترمايا» لا يزيدون على خمسة آلاف نسمة، فهذا معناه أنها جريمة جماعية ضد إنسان «أعزل». وأن البلدة تآمرت للتنكيل بالشاب المصرى «محمد مسلم»، فيما تواطأ رجال الأمن، وتباطأ رجال الجيش إلى أن انتهى ما يسمونه «القصاص»!. الآن لا نملك إلا قبول اعتذار الدولة اللبنانية، وابتلاع دموعنا فى صمت، والحديث عن تحضر الشعب اللبنانى من باب «الأدب» وتحت بند الأخوة العربية. فالاعتذار يغلق ملف الألغاز الكثيرة التى أحاطت بالجريمة، لتصبح محاسبة الجناة شأناً داخلياً تقرره لبنان وتراقبه مصر «أدبياً»!!. والد «محمد مسلم» لن يطالب بلجنة دولية على غرار لجنة «ميليس» لمحاسبة الجناة، إنه لا يملك حتى تكذيب ما تردد عن اختلال القوى العقلية لنجله. أما والدة «مسلم» فتطلب حمايتها من انتقام لم تشفه دماء ابنها. ومصر- الدولة الأم لن تحمى أولادها من الجلد أو السحل فى الدول الشقيقة. لقد وصلت جثة «مسلم» إلى أرض الوطن، ومازال القتلة طلقاء!!. وبحسب جريدة «السفير» اللبنانية فمسلم مجرد «مشتبه به» فى قتل أسرة من أربعة أفراد، ولم يعترف بتهمة القتل فى تحقيقات الشرطة!. فلماذا تصمت الحكومة المصرية على حقه فى الحياة، حقه فى محاكمة عادلة، حقه حتى فى الموت شنقاً.. وليس سحلاً وصلبا؟. أتصور أن تلك الجريمة الهمجية تهدد الشعب اللبنانى أكثر مما تهدد السائحين إليه، وأن الخصومة بين مصر ولبنان غير واردة، وليس واردا وصم الشعب اللبنانى بعار تلك المذبحة. لكن ألا يمكن توظيف الأخوة بين البلدين لتحقيق العدالة القانونية، بما يعيد للبنان وجهه الحضارى، ويقضى على شريعة الغاب؟. العدالة لن تعيد الحياة لأحد، لكنها تعيد الثقة الدولية لبلد يقوم اقتصاده على السياحة. إنها جريمة ضد الإنسانية، فطمت أطفال «كترمايا» على الوحشية، وجردت نساءها من الرحمة، وأطلقت يد الرجال لتحصد أرواح البشر.. «العدالة» وحدها قد تعيد وحوش البلدة إلى إنسانيتهم، قبل أن تعيد لمصر حقها المنتهك وشرفها المصلوب على أعمدة «كترمايا».