قدم وزير العدل اللبنانى إبراهيم نجار اعتذارا للشعب المصرى عن مقتل الشباب المصرى، والتمثيل بجثته فى بلدة لبنانية بعد الاشتباه فى ارتكابه جريمة قتل استهدفت أربعة أشخاص من سكان البلدة، حسب ما أفاد به بيان صادر عن مكتب الوزير، أمس، فيما قدمت وزارة الخارجية التعازى لأسر الضحايا اللبنانيين الأربعة. ونقل بيان صادر عن الوزارة عن «نجار» قوله خلال استقباله مساعد وزير الخارجية المصرى للشؤون القنصلية والمصريين فى الخارج محمد عبدالحكم، إن «اللقاء شكل سانحة لأن أقدم بصفتى الشخصية اعتذارا للشعب المصرى والحكومة المصرية عن ردة الفعل التى حدثتى فى كترمايا، التى ما كانت لتحدث لولا الجريمة الشنعاء الفظيعة». وأضاف أن قتل عائلة مؤلفة من فتاتين صغيرتين وجديهما تسبب فى «ردة الفعل الجماعية التى لا يمكن لأى اعتذار أن ينساها أو يتناساها» إلا أنه أكد أن «ردة الفعل تجاوزت كل الأصول التى يجب أن تراعى فى المحاكمات والتحقيقات». ورفض «أن تبقى هكذا أعمال من دون ملاحقة» مؤكداً أن «لبنان ستتابع الموضوع بكل جدية وصلابة وأنه «كان يفترض أن تكون الدولة سيدة العقاب والملاحقة». وردا على سؤاله عما إذا كان تم توقيف أحد فى جريمة قتل المواطن المصرى محمد سليم مسالم، قال نجار. التحقيق فى هذا الموضوع يتم وفق مقتضيات العدالة وبعيداً عن الإعلام كى لا نقع فى المزيد من الفعل وردات الفعل، والموضوع فى قبضة النيابة العامة التمييزية والجهات القضائية». وأضاف أن الصور الملتقطة لعملية القتل والتمثيل بالجثة «أسفرت عن التدقيق بعشرة أشخاص على الأقل، علما بأنه عندما تكون ردة الفعل كبيرة لا نستطيع أن نعلم من قام بردة الفعل بالتحديد». من جانبه قال عبدالكريم من جهته «نحن نثق ثقة كاملة بوزير العدل والقضاء اللبنانى، وواثقون بأنه سيتم تطبيق القانون اللبنانى فى هذا الشأن». وتقدم بالعزاء لأهالى الضحايا الأربعة فى الجريمة «التى أدانتها مصر بقوة»، مضيفا «نحن نتطلع إلى تطبيق القانون اللبنانى فى شأن المشتبه بهم فى ارتكاب الجريمة الثانية وتقديمهم للقضاء». من جانبه، أصدر المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، قرارا بإعادة تشريح جثة الشاب المصرى القتيل فى لبنان، باشراف النيابة العامة فى القاهرة، ونقل الجثة إلى مشرحة زينهم لبيان سبب الوفاة، والإصابات الموجودة بجسده. كشفت تحقيقات نيابة النزهة فى الواقعة، برئاسة طارق أبوزيد عن مفاجأة، تبين أن لبنان أرسلت جثة القتيل وبرفقتها تقرير طبى عن الإصابات والطعنات الموجودة بجسده، دون إرسال تقرير طبى بالصفة التشريحية لجثة الضحية، وتبين أن التقرير الطبى المرفق بالجثة صادر من أحد مستشفيات لبنان. وتبين من التحقيقات التى أجريت بإشراف فريق من النيابة العامة ضم إيهاب نجيب وإسلام سرى، وكيل أول النيابة، أن السلطات اللبنانية أرفقت بالجثة قرارها بنقل الجثمان إلى الأراضى المصرية. وتبين من مناظرة النيابة العامة لجثة القتيل أنه تعرض للسحل على الأرض والاعتداء عليه بآلات حادة، تتضح من الجروح القطعية النافذة الموجودة فى جسده، ولم تتمكن النيابة من حصر عدد الطعنات فى جسد المجنى عليه، نظرا لكثرتها وتفرقها فى جميع أنحاء جسده. رحل عن عالمنا، أمس الأول (الاثنين)، الفيلسوف والمفكر المغربى الكبير الدكتور محمد عايد الجابرى، الذى وافته المنية عن عمر يناهز 75 عاما قدم خلاله للمكتبة العربية عشرات الكتب المهمة فى قضايا التراث والديمقراطية وحقوق الإنسان وفلسفة العلوم وغيرها من الموضوعات بالغة الأهمية. ومع ذلك تظل ثلاثيته «نقد العقل العربى»، التى تشمل: «تكوين العقل العربى» و«بنية العقل العربى» و«العقل السياسى العربى»، هى الأهم والأشهر. لم يعش الجابرى داخل «صومعة» أكاديمية معزولة عن واقع مجتمع مغربى ترعرع فيه، ولا عن واقع أمة عربية وإسلامية أوسع انتمى إليها فكرا وحضارة، والتزم بالدفاع عن قضاياها، فقد بدأ حياته ناشطا سياسيا، وأصبح أحد القيادات البارزة فى حزب «الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية»، وظل عضوا فى مكتبه السياسى لفترة طويلة، قبل أن يقرر الاعتزال منذ سنوات ليتفرغ لمشاغله الفكرية والأكاديمية. انشغل الجابرى كلياً بأزمة الثقافة العربية وجعل من «محنة المعرفة» فى العالم العربى، الناجمة عن عدم تحديث التراث، مشروعا بحثيا أفنى عمره فى وضع لبناته الأولى وسعى بصبر وأناة لاستكمال طوابقه، التى ظلت تعلو تباعا حتى آخر رمق فى حياته، آملا فى أن يسهم فى «تدشين عصر تدوين جديد»، كما كان يحلو له أن يقول. أقتبس هنا فقرة من حوار مطول أجراه معه الدكتور عبدالإله بلقزيز، ونُشر فى مجلة «المستقبل العربى» (العدد 278)، أظن أنها تعكس بالضبط جوهر مشروعه الفكرى: «كانت هناك ثلاثة تيارات معروفة، هى التيار السلفى والتيار الليبرالى والتيار التوفيقى أو التلفيقى. وقد أسفرت تجربة مائة سنة عن جمود الحركة فى هذه التيارات، فلا أحد منها تطور وحقق أهدافه، بل كان ما حدث هو اجترار وعَوْدٌ على بدء مستمر. وقد استنتجت من ذلك القضية الأساس التى أدافع عنها، وهى أن التجديد لا يمكن أن يتم إلا من داخل تراثنا باستدعائه واسترجاعه استرجاعاً معاصراً لنا، وفى الوقت نفسه بالحفاظ على معاصرته لنفسه ولتاريخيته حتى يتمكن من تجاوزه مع الاحتفاظ به!. وهذا هو التجاوز العلمى الجدلى. هذا هو اقتناعى إذا كنا نفكر فى الأمة العربية والإسلامية كمجموع وليس كنخبة محدودة العدد متصلة ببعض مظاهر الحداثة، تنظر إلى نفسها فى مرآتها وتعتقد أن الوجود كله هو ما يُرى فى تلك المرآة. هذا فى حين أن هذه النخبة قليلة، ضعيفة الحجة أمام التراثيين. والمطلوب منا فيما يخص الحداثة ليس أن يحدّث المحدثون أنفسهم، بل أن ينشروا الحداثة على أوسع نطاق، والنطاق الأوسع هو نطاق التراث. فإذا لم نكن على معرفة دقيقة بالتراث وأهله فكيف يمكن أن نطمع فى نشر الحداثة فيه، أن نجدد فيه، أن ندشن عصر تدوين جديد فى مجالاته». أدرك أن الرجل تعرض مؤخرا لهجوم حاد من جانب السلفيين، لكن الاختلاف لا يكون إلا مع المجتهدين والمجددين الحقيقيين، وكان الجابرى واحدا منهم، وأظن أنه آن الأوان أن نتعلم أن الخلاف لا يفسد للود قضية. رحم الله الجابرى.