بمناسبة الاحتفال بعودة سيناء.. تعود بى الذاكرة إلى أيام نكسة عام 1967 حيث هاجرت أسرتى من السويس، وبقيت أنا مع والدى، وكنت فى الخامسة عشرة من عمرى.. مكثت معه لأرى مدينتى تقصف بالمدفعية، وكان القتلى بالعشرات والجرحى بالمئات!!.. كان أقرانى فى شارع أمين الهوارى الذين تعدوا السادسة عشرة، ويحملون البطاقة الشخصية، قد انضموا إلى المقاومة الشعبية وحملوا السلاح، وأبكانى ذلك كثيرا لأننى لم أكن قد تجاوزت السادسة عشرة بعد!! ولكننى شاركت معهم فى حفر الخنادق فى تقاطع شارعنا مع شارع الأربعين.. وذات يوم فى شهر يوليو أو أغسطس 1967 علمنا أن هناك احتفالية ستقام فى قصر الثقافة المجاور لمبنى المحافظة فتوجهنا إلى هناك فإذا بالقاعة قد امتلأت بالمئات من شباب ورجال المدينة، وإذا بشاب أسمر نحيف يصعد إلى خشبة المسرح ليلهب مشاعر الجميع بقصيدة ربما لم يكن يعلم أنها سوف تعيش فى وجدان أبناء السويس أكثر مما كان يتخيل!.. تقول القصيدة (يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى إنتى) إلى آخر القصيدة، ولتصبح نشيد المدينة الباسلة غناها المطرب العظيم محمد حمام وظلت لعشرات السنوات وحتى اليوم نشدو بها.. ولكنها كانت وقودا فى قلوب وعقول أهل السويس ففى 24 أكتوبر 1973 عندما حاولت دبابات العدو اختراق المدينة تحت قصف عنيف بنيران المدفعية والطيران لم يجدوا أمام أبطال المقاومة وعناصر الجيش الثالث الميدانى إلا الانسحاب تاركين خلفهم دباباتهم المدمرة وأشلاء قتلاهم، وهم يجرون أذيال الخزى والعار.. وكانت كلمات الشعر تملأ قلوب أبطال المقاومة، تحفزهم على حماية مدينتهم.. وستظل تلك الكلمات محفورة فى قلوب أبناء السويس يرددونها فى احتفالاتهم وأفراحهم على أنغام السمسمية.. لقد سجل التاريخ لمدينة السويس أنها أول مدينة تقهر الصهاينة.. أما الشاب النحيف الأسمر صاحب الكلمات فكان الشاعر العظيم عبدالرحمن الأبنودى.. نحن فى انتظار كلمات قصيدة جديدة له تشعل حماسنا حاليا لتخرجنا مما نعانيه! محمد يوسف شعيشع- (الإسكندرية- المنتزه)