التعليم أساس أى تقدم فى أى عصر وفى أى بلد مهما كان، وتطوير نظم التعليم بشكل دائم ومواكبتها للتطورات العلمية والتكنولوجية شىء فى غاية الأهمية، وقد طرحت وزارة التربية والتعليم فى صيف عام 2009 تصورها عن نظام جديد للتعليم الثانوى على أمل أن يوقف الانهيار المستمر للتعليم فى هذه المرحلة ذات الأهمية القصوى فى منظومة التعليم كلها، وحتى لا نكرر ما جاء بخطة الوزارة فإننا سوف نعرض مباشرة لأهم الإشكاليات والملاحظات حول الخطة مباشرة، توطئة لتعديلها إذا كنا نبحث عن حلول ناجعة لواحدة من أهم قضايا التعليم المصرى وأهم هذه الإشكاليات والملاحظات هى: أولا: لا يمكن نجاح أى برنامج لتطوير التعليم فى بلادنا بما فى ذلك التعليم الثانوى إلا بأن تعطى المدرس – أهم أداة للإنتاج التعليمى – الراتب المناسب، حتى يمكننا أن نؤمنه على أبنائنا، ونطالبه بأن يخلص فى تعليمهم وتربيتهم، وقد حددنا أن ذلك الراتب يكون فى حدود 1000 (ألف جنيه) كحد أدنى عند أول تعيين له، ومعنى ذلك بالطبع أن رواتب المعلمين حتى من خلال الكادر الذى حير الجميع ليست كافية بالمرة فى ظل الغلاء الفظيع، علما بأن هناك تصورات كاملة لحل مشكلات التمويل اللازمة للإصلاح الذى نتمناه للتعليم فى بلادنا، ولكن لا يسع هذا المقال لعرضها. ثانياً: أن نظام التقويم الشامل فى المستويين الابتدائى والإعدادى والمطروح تطبيقه فى المستوى الثانوى قد فشل لسبب مهم وهو أن الكثافة الطلابية فى الفصول عالية جداً بقدر لا يمكن المدرس من متابعة طلابه، وأن الطلاب لا يقومون بعمل نشاطاتهم بأنفسهم، بل إن أهاليهم أو مكاتب الخدمة التعليمية هى التى تقوم بعمل هذه النشاطات من لوحات ورسوم وخلافه، ولأن المدرس لعدم كفاية راتبه يضطر لإعطاء الدروس الخصوصية أو يقوم بالتدريس فى مراكز التقوية، وعليه يصبح تحديد مستوى الطالب ليس على أساس حجم الأداء والجهد بل على ما سيستفيد به المدرس ماديا من الدروس ومجموعات التقوية. ثالثا: أن نظام التقويم الشامل فى المدارس الثانوية لن يصيبه التوفيق أيضا للأسباب نفسها المذكورة فى البند ثانيا، ثم إنه طالما ستجعل الوزارة بموجب النظام المقترح 50% لأعمال السنة، وما فيها من نشاطات – و50% للامتحانات النهائية – سوف يتساوى الأعمى والبصير من الطلاب، ولن تكون هناك مبادرات من جانب الطلاب للتفوق، لأن عمل أى نشاطات أو أبحاث محكوم عليه بالقصور لانشغالات الطلاب المختلفة، ولعدم توفر أدوات البحث من معامل وأجهزة ومواد ومكتبات ودوريات، وسوف تصبح هذه النشاطات نوعاً من «الفبركة»، وستكون أحسن درجات النشاطات للقادرين على دفع المقابل المادى للمكتبات المتخصصة فى عمل هذه النشاطات، كما ستكون أحسن الدرجات للطلاب الذين يأخذون الدروس الخصوصية مع المدرس، لأن المدرس ذا الراتب المحدود سوف يعطى درجات النشاط حسبما يحصل عليه من فائدة مادية، بصرف النظر عن مستوى الطالب الحقيقى. رابعاً: أن نظام الامتحانات المؤهلة للالتحاق بكليات معينة، والتى من المقترح عقدها منفصلة بعد امتحانات الشهادة الثانوية، سوف تصيب المتفوقين من الطلاب بالإحباط لأن التركيز سوف ينتقل إلى الامتحانات المؤهلة للالتحاق بالكليات المطلوبة ومحتمل أن تصبح لهذه الامتحانات كتب أو مذكرات، وتعطى فيها دروس خصوصية بدلا من الاهتمام بالتحصيل الفعلى للمواد العلمية التى تهم الطالب فى التخصص المستقبلى، لذلك ينبغى على الأقل جعل الامتحانات المؤهلة جزءاً مكملاً من الامتحانات النهائية. خامساً: أن مستويات ودرجات الطلاب فى الصفين الأول والثانى الثانوى لن تعطى أى أهمية، ولن تؤخذ فى الاعتبار فى التقويم النهائى لطالب المرحلة الثانوية، حسب برنامج الوزارة المقترح، ونحن نرى أنه يجب أخذ 15% من مجموع الطالب فى الصفين الأول والثانى،لإضافتها إلى المجموع الكلى للسنة النهائية للمرحلة الثانوية، مما يعكس مستوى الطالب الحقيقى، وتطوره التعليمى. سادسا: أننا إذا كنا نعانى من تدنى مستوى الطلاب فى المرحلة الجامعية فى منهج التفكير والتحصيل العلمى والخط والأسلوب واللغة، رغم حصولهم على أكثر من 90% من الدرجات، فالنظام الذى تقترحه الوزارة بهذا الشكل سوف لا يجود الأداء كما يتصور البعض، ولن يحقق ما هو مرجو منه لانتفاء شرط العدالة فى التحصيل العلمى، لأن تقويم مستوى أداء الطالب، سيعتمد بالقدر الأكبر على درجات النشاط المُفبركة، وعلى درجات الامتحانات المُؤهلة للكليات والمعاهد لا على المادة العلمية الرصينة، والاستيعاب المعرفى الفعلى. سابعا: أن نظام التعليم الثانوى الذى تطرحه الوزارة لم يعط التعليم الفنى ما يستحقه من التطوير فلايزال على حاله، لا يؤدى لتخريج مؤهلين فنيين باستطاعتهم ملاحقة مستوى الصناعة والتكنولوجيا الدائمة التطور فى العالم، مما دفع بعض المصانع المصرية للاستعانة بالكوادر الأجنبية. ثامنا: أن برنامج الوزارة المقترح للمرحلة الثانوية قد وقع فى أخطاء وقعت فيه الوزارتان السابقتان، وهو ما جعل التاريخ مادة اختيارية، وقد صححت الوزارتان خطأيهما بإعادة التاريخ حاليا مادة أساسية يدرسها جميع الطلاب حتى نهاية المرحلة كما هو الحال فى جميع دول العالم المتقدمة والنامية، ودون تصحيح هذا الخطأ، وعلى سبيل الاقتراح، بضم مادتى التربية القومية التى لا تحوى مادة علمية تعكس تاريخ هذا الشعب ولا يذاكرها الطلاب سوى ليلة الامتحان، لأنها لا تدخل المجموع والتاريخ فى مادة واحدة هى «التاريخ القومى» تكون الوزارة قد ارتكبت، ربما بدوافع وضغوط خارجية، خطأ فادحاً فى حق هذا الوطن. تاسعاً: أن برنامج الوزارة المقترح للتعليم الثانوى لا يوجد أى احتمال لنجاحه بسبب استمرارية نظم الحكم الحالية ونظم إدارات المدارس والإدارات التعليمية بنفس المنوال القائم، وبسبب الكثافة العالية للطلاب بالفصول الدراسية، ولعدم وجود يوم دراسى طويل من الثامنة وحتى الثالثة على الأقل، ولعدم تغيير المناهج وجعلها مواكبة للتطور العلمى والتكنولوجى، ومتجاوبة مع متطلبات سوق العمل. عاشرا: ستفشل كل محاولاتنا للإصلاح بسبب عدم إصدار قانون حاسم قاطع يجرم الدروس الخصوصية، ويحاكم المتجاوزين بعد رفع رواتب المدرسين، مما أشرنا إليه فى البند أولا تلك الدروس التى لا توجد فى أى بلد متقدم فى العالم، إنها بدعة مصرية أدت وسوف تستمر فى أدائها لتدمير التعليم، بل وتدمير مصر كلها.