قبل أن تمر 48 ساعة على انفجارات موسكو، التى أعادت الأضواء لمنطقة القوقاز الروسية المضطربة، لقى 12 شخصا بينهم قائد شرطة مدينة كيزليار مصرعهم فى انفجارين جديدين، أحدهما انتحارى وقعا صباح أمس فى جمهورية داغستان، وكان تنفيذ العملية بواسطة أشخاص انتحاريين أحد القواسم الكثيرة المشتركة بين العمليتين، اللتين جددتا المخاوف من عودة الاضطرابات لتلك المنطقة القابعة على برميل بارود. فقد جاء تفجير محطتى «لوبيانكو» و«يارك كولتورى» فى العاصمة الروسية بمثابة إعلان عن عودة المواجهات بين الكريملين ومجموعات الانفصاليين الشيشان. ورغم أن موقع «مركز القوقاز» الذى يعتبر المنبر الصحفى لعدد من هذه الجماعات نفى مسؤوليته عن التفجيرات، لكن معلومات أمنية أفادت بأن الانتحاريتين كانتا ضمن مجموعة دربها أحد أبرز القادة العسكريين الشيشان ألكسندر تيخاميروف، الملقب ب«سعيد بورياتسكى»، مما دفع للاعتقاد بأن هذه التفجيرات ما هى إلا بداية لسلسلة أعمال إرهابية جديدة، ظهرت إرهاصاتها فى تفجيرى داغستان صباح أمس. كانت أوضاع الانفصاليين الشيشان دخلت مرحلة جديدة بعد مقتل الرئيس الشيشانى أصلان مسخادف، الذى كان قد انتخب عام 1997، وبعد تصفية شاميل باسييف، قائد الجناح العسكرى وزعيم المجموعة المتشددة فى أوساط المعارضة الشيشانية خلال التسعينيات، قبل أن تنتقل السلطة إلى سيدو لاييف عام 2005 ومن بعده دوكو عمروف، الذى ترأس أيضا ما سماها «إمارة مجلس شورى القوقاز»، فأصبح يعرف ب «أمير المجاهدين». ويعتقد فيكتور تشيكوف، الباحث الروسى فى معهد القوميات وعلوم الإنسان، أن المعارضة الشيشانية عانت عقب أحداث «بيسلان» من انقسامات حادة، كان أبرزها انفصال باساييف، مخطط العملية، عن الرئيس مسخادف، الذى أدانها بل حاول التدخل للإفراج عن الرهائن. كما يرى تشيكوف أن أزمة الانفصاليين تعمقت وأسفرت عن تشرذم هذه المجموعات بعدما تمكن المفتى أحمد قديروف وابنه رمضان الرئيس الحالى للشيشان من استقطاب عشرات المقاتلين إلى جانب القوات الروسية. أما آندريه ستيبانوف، المحلل والباحث فى مركز الدراسات الاستراتيجية، فيرى أن انتشار الفساد والقمع فى السلطة الشيشانية التى يترأسها قديروف حاليا وتحظى بدعم موسكو، تسبب فى فقد المواطنين الشيشان لعنصر الأمن، إضافة لانتشار البطالة، مما شكل تربة خصبة لإحياء المجموعات الإرهابية. وخلال السنوات الأخيرة التى تولى فيها دوكو عمروف قيادة جماعات الانفصاليين الشيشان، تقلصت أعداد المقاتلين المنتشرين فى جبال شمال القوقاز بشكل كبير مقارنة بمرحلة باساييف لتصل إلى 500 عنصر. كما كشفت بعض المصادر عن أن الحركة الانفصالية الشيشانية شهدت عدة انشقاقات، أبرزها انسحاب أحمد زاكايف، ممثل الرئيس مسخادف، المقيم فى لندن، وإدانته العمليات التى تقوم بها، مما دفع قائد الجماعات للإعلان عن أن «محكمة شرعية» أصدرت حكما بإعدام زاكايف، باعتبار أن تصريحاته تدل على ارتداده عن «الإسلام الحقيقى» وسعيه لاعتناق «دين ديمقراطى». وأدى تولى عمروف إلى ازدياد تشدد الجماعات الانفصالية، مما كرس هذه الانشقاقات، وأفسح المجال أمام قديروف الموالى لموسكو لإجراء اتصالات مع رموز المعارضة الانفصالية المتواجدين فى الخارج، والذين كانوا يدينون بالولاء للرئيس مسخادف. ونجح رمضان فى إقناع عدد منهم بالعودة، والتراجع عن مواقفهم بل بدأ بإجراء مفاوضات مع زاكايف للغرض نفسه.لذا اعتبر الخبير الاستراتيجى ستيبانوف أن جماعات الانفصاليين المسلحة فى الشيشان تمر بأسوأ حالات انشقاقها الداخلى، وأن الخط البيانى لنفوذها قد تراجع بشكل كبير، مما وضعها فى أزمات سياسية ومالية متلاحقة، خاصة مع عدم قدرة عمروف على تمويل المقاتلين وتوفير مستلزمات أنشطتهم.
