لم أكن أتوقع رسالته تلك، فقد تعودت أن تكون نصاً إبداعياً وليس أهزوجة فخر بانتخابات لم تتضح نتيجتها بعد.. لم أتوقع أن تكون صكّ غفران وتبرئة لأمريكا وإيران وبريطانيا من ذنب احتلال هز المنظومة الإنسانية بأسرها.. كانت رسالة صديقى التى جاءتنى منه مهللة لما يبكينى، وعجبت من صديق عروبى موقفاً كهذا، مثل ما أدهشتنى إشادة زميل قبل أيام بانتخابات وديمقراطية عراقية سترتفع بعالمنا العربى إلى الذرى فخرا.. (وعجبى). بالله عليكم أى ديمقراطية تلك فى أرض اغتصبها الغرباء واتخذوها خليلة بلا عقد شرعى؟ أليس من المعروف أن للديمقراطية قواعد ومعايير ثابتة تعرفها الدول المتحضرة وتطبقها حسب مناهج قانونية تتيح للشعوب حكم نفسها بنفسها عن طريق اختيار من يمثلونها بما ينص عليه الدستور وما يضمنه لهم من حقوق كاملة غير مجتزأة؟.. أم هى ما يمنحه الاحتلال من فتات صدقة تتناهبها أفواه الطائفية والجهل والفساد ورعاة سجون فاقت الحد.. وجرائم خطف وقتل وانتهاك قيَم وأعراض، وتمويه وعدم وجود ضمانات دستورية للأقليات، وتضليل أدّى إلى ترسيخ السذاجة فى العقول المتواضعة، لا بل حتى فى عقول المبدعين مما لا يصدّقه منطق ولا يمكن أن يندرج تحت شعار الديمقراطية!!، فأىّ ديمقراطية عجيبة تلك والوطن يئن من مشارط التجزئة وأصوات الفوضى وهستيريا المركز والسلطة؟ كيف لديمقراطية أن تمنع ترشيح (500) شخص من القيادات المعروفة بفكرها ووطنيتها ثم تعود وتسمح بشرط التحقيق معهم واستجوابهم بعد انتهاء الانتخابات لمعرفة ماهية علاقتهم بحزب حاكم سابق.. بينما يسمح بالترشيح لمن ليس لديهم شهادة حسن السيرة والسلوك التى تعتبر شرطا أساسيا لذلك؟!!! (550) كياناً سياسياً دخل الترشيح فى بلد هاجر وهجّر منه خمسة ملايين مواطن إلى كل بقاع الأرض.. ومواطنو الداخل لايزال معظمهم يبحث عن اسمه فى قائمة الانتخاب ولا أثر له، خاصة فى القوائم المنافسة لقائمة الحكومة الحالية بينما يسمح لمئات ممن لا أسماء لهم فى السجلات الرسمية بالانتخاب! هذا غير آلاف السجناء الذين رفض بعضهم التصويت وهو بين جدران الموت، والآخر لا يمتلك وثيقة رسمية تؤهله للانتخاب، ومن بقى فوّض أمره لمسؤول سجنه يصوّت لمن يشاء.. وأستغرب لمَاذا يكتب لى صديقى بكل هذا الزهو والثقة عن عُرْسٍ صورىّ وممارسة وهمية، دون أن يحدثنى عن التفاصيل؟ عن فئة أصحاب البطاقة التموينية كمثال وخوفهم من تقليل الحصة إن لم يصوتوا لقائمة بعينها؟ أو ظاهرة فقدان الأسماء فى السجلات؟ وعدم السماح بتصوير بعض المراكز الانتخابية وسرقة أسماء السجناء لصالح قوائم معينة؟.. فأى ديمقراطية تلك فى بلد تعتمل فيه صراعات دينية وإثنية وتحديد هوية طائفية وشعب يعانى فقرا وحاجة، وقوافل تشردت على أرصفة الغربة بانتظار معونة أو طلب هجرة إلى بلاد تمن عليها ببعض أمان نفسى ومادى وصحىّ؟ أصوات صادقة تصلنا أصداؤها من الخارج والداخل تؤكد عدم نزاهة هذه الانتخابات، منقوصة الديمقراطية على الرغم من وجود مراقبين من الأممالمتحدة والمفوضية، فلا ديمقراطية تحت احتلال فى بلاد يحكمها استبداد طائفى لم تتحقق فيها شرعية سياسية ولا قوائم مرشحين حرّة لكل الشعب دون تمييز. (صديقى العزيز: الشعوب الحرة لا تنتظر رحمة احتلال كى تنطلق من سجن الديكتاتورية بل تستطيع بشجاعتها وإرادتها وكرامتها أن تحطم قضبان الذل وتنطلق فى فضاء ديمقراطى.. انتهت صداقتى بمن خضع امتنانا لاحتلال أجنبى أعجمىّ وفقأ بأصابع اتهامه عيون أمة متهالكة على قارعة النهاية.. عذراً يا من كنت صديقى فمن جاء بالمفخخات والأحزمة الناسفة والموت هم أصحاب الخوذ الأمريكية البريطانية والعمائم وليس أبناء الشارع العربى النازفين دماً ووجعاً مع كل رصاصة تصوّب نحو صدرٍ عراقىّ ومع كل شبر تدوسه أقدام غزاة.. فهنيئاً لك بمن فضّ بكارة أرض الرافدين). إليك يا الراقد فى رحم المستحيل.. تغلق بعنادك بوابة المخاض.. تخرس أجراس الميلاد.. تغفو على قضبان الحلم.. تلتحف جدران الصمت.. ترتوى من خمر عشقى المذاب فى خلاصة الشوق.. يحمله ذلك الحبل السرى المشدود بين روحين.. قم.. لنتبادل الأدوار.. كن أنت العاشق وأنا المعشوق.. أنت التابع وأنا المتبوع.. أنت الأمل وأنا الحلم.. أنت الحقيقة المتجسدة وجعاً وأنا الخيال الهائم فى المحال.. ولأكن أنا سيدة الأمس واليوم.. يا سيدى يا سيد العمر بيومه وأمسه وغده.