ليست الكارثة فى اعتراضات الرجال فقط على تولى المرأة القضاء أو الولاية، ولكن الكارثة الأكبر فى أن نساء، ومنهن إعلاميات، روّجن لرفض عمل المرأة من أساسه، نتيجة تزييف الوعى الشديد والرهيب الذى فعله الإلحاح الفقهى والإعلامى والاجتماعى فى أمخاخ النساء، وها هو حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين ينكر على المرأة أساساً حق الانتخاب فما بالك بحق الرئاسة والحكم، فها هو يقول فى حديث الثلاثاء ص 370 «أما ما يريد دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين»، وجاء الرد على حسن البنا بعد سبعين سنة من العالمة المصرية العظيمة رشيقة الريدى التى خدمت بعقلها غير الناقص وطنها ودينها أيضاً. عندما قدم القرضاوى دليلاً على إجازة ترشيح المرأة لنفسها فى المجالس النيابية ذكر دليلاً متهافتاً يدل على التردد أكثر منه على الاقتناع الداخلى، ويؤكد على أنها ليست حكاية مبدأ، فهو يقول فى فتواه ليطمئن بها الرجال « عدد النساء اللائى يرشحن للمجلس النيابى سيظل محدوداً، وستظل الأكثرية الساحقة للرجال، وهذه الأكثرية تملك القرار وهى التى تحل وتعقد فلا مجال للقول إن ترشيح المرأة للمجلس سيجعل الولاية للنساء على الرجال!!»، وهكذا غسل القرضاوى يديه من دم المرأة بفتوى مراوغة لا نعرف منها هل هو مع الترشيح أم ضده؟، ولم يرد فيها على سؤال مهم وهو: ماذا نفعل إذا حدثت الصدفة أو الكارثة وتكون مجلس أغلبيته من النساء وانتخب منه امرأة رئيساً للجمهورية؟ وقدم مفكرون إسلاميون آخرون حججاً لعدم ولاية المرأة مثل أن هذه الولاية ستجعلها تختلط بالناس ولا تقر فى بيتها كما هو المفروض، ومنها أنها ستهمل أسرتها، وأنها لن تستطيع حفظ الدين وتحصين الثغور وإمامة المصلين.. إلخ (راجع بحث د.هبة رؤوف عزت)، قالوا كل هذا وأكثر، متغاضين عن الظروف الاجتماعية التى شكلت هذا المفهوم عن المرأة والذى يلخصه قول عمر بن الخطاب «كنا لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن حقاً من غير أن ندخلهن فى شىء من أمورنا»، أى بصريح العبارة كانت النساء مجرد متاع مثلها مثل الدواب، ولذلك فأى تقدم ولو بسيط فى الاعتراف بالمرأة اجتماعياً حينذاك كان يعد انتصاراً مظفراً، ولذلك أيضاً فلم يكن من الممكن أن يتيح لها الإسلام فجأة وبدون تدرج كل المكاسب دفعة واحدة، إذن فمطالبتها الآن بحقوقها المتأخرة المسكوت عنها ليست خروجاً عن الدين، ولكنها مطالبة بتسديد فواتير متأخرة ومؤجلة هى من صميم وجوهر الدين، ولكن للأسف يحول بينها وبين تسديد هذه الفواتير والحصول على تلك المكاسب بخل المجتمع الذكورى وعناده وجهله أيضاً، ولذلك نقول: لا تندهشوا فمن حق مدام رشا أن تكون قاضية ورئيسة بل خليفة للمسلمين.