حضرت الاجتماع الذى عقد فى منزل أو فيلا الدكتور محمد البرادعى فى أول شارع الهرم يوم الثلاثاء قبل الماضى الموافق 23/2/ 2010 مساء وحضر معى فى هذا الاجتماع نخبة من مفكرى مصر المتصدين من أجل الإصلاح والتغيير فى الفترة الأخيرة تم اختيارهم بحيث تكون كل الأفكار على الساحة ممثلة فى هذا الاجتماع، وبدأت المناقشة الساعة السابعة والربع وكان يديرها الأخ الفاضل الدكتور حسن نافعة بعد أن طلب منه الدكتور محمد البرادعى الذى كان يجلس إلى جواره ذلك، واخترنا للرجل مكانا للجلوس متوسطا حتى يستطيع الكل سماعه وبدأت المناقشة بقفشة أطلقتها أنا حيث طلبت من الدكتور البرادعى الجلوس على مقعد غير مريح وعندما استفسر بعض الحضور عن سر هذا الطلب قلت لهم لأن هذا الكرسى غير المريح لا يلتصق بالجالس عليه وضحك السامعون، وبعدها بدأ الحوار الذى كان منظما يتيح لكل من يريد الحديث بأن يقول رأيه فى حدود الوقت المسموح، وبالطبع لا يمكن سرد كل ما قيل على مدى ساعتين ونصف فى هذا المقال، ولكن يمكن تلخيص ذلك فى القول بأن الكل كان مجمعا على حاجة المرحلة القادمة للتغيير والإصلاح السريع الذى لا يمكن أن يحتمل التأخير، وبدا الكل متفهما للعقبات التى تعترض هذا التغيير خاصة القبضة الأمنية الشديدة على كل من تشعر الحكومة أنه جاد فى هذا الطلب، ولكن الكل تقريبا كان مستعدا لدفع هذا الثمن مهما كان غاليا، بدأت حديثى فى الوقت المتاح لى بتذكير الحضور بأن المرحلة صعبة والكفاح شاق وطويل، وبضرورة النزول للشارع مهما كان الثمن، لأن النخبة وحدها لا تصنع تغييرا ولا تستطيع فرضه وأن هذه النخبة من غير رجل الشارع لا قيمة لها ولا وزن وقلت مخاطبا الدكتور البرادعى إن رجل الشارع لابد أن يحس به لأنه حتى الآن بالنسبة له خيال وحلم جميل يود أن يراه مجسما على الأرض وأنه يتوقع أن يراه يسير فى مظاهرة مطالبة بالإصلاح والتغيير وأن تتصدى له الشرطة وقد يسقط هو على الأرض وتكسر نظارته ويتم تصويره على هذا النحو، عندها يشعر رجل الشارع أن هذا الرجل منه ويكافح من أجله، وتذكرت، وأنا أتحدث، منظر المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيرى المنسق العام لحركة «كفاية» الأسبق والشرطة تحاول التصدى له وأنصاره يحيطون به ويحاولون حمايته من بطشها، لم يشفع له فى ذلك مرضه ولا شخصيته العلمية ولا مكانته الأدبية، وقد اشتد عليه المرض بعدها ورفضت الحكومة علاجه على نفقة الدولة رغم استحقاقه له لعدة أسباب منها: مكانته العلمية والأدبية وعدم قدرته المالية لضخامة التكاليف، هذا العلاج الذى يتلقاه القادرون ماليا من أصحاب الحظوة عند الحكومة، قلت ذلك وكنت أود الاستطراد فى هذا الشرح لولا ضيق الوقت المحدد للحديث. ما أشبه الليلة بالبارحة، ما يحدث اليوم من تعلق الناس بالدكتور محمد البرادعى باعتباره الشخص الذى يمكن أن يخلصهم مما هم فيه من أزمات يذكرنى بتعلق الناس بالقضاة أثناء قيامهم بالاعتصام والوقفات الاحتجاجية للمطالبة بنزاهة الانتخابات واستقلال القضاء وتذكرت هتافهم المعتاد (يا قضاة يا قضاة خلصونا من الطغاة) هذا الهتاف الذى يبين مدى ثقة الناس بالقضاة وتعليق الأمل عليهم فى تحقيق الحرية والديمقراطية التى يتطلعون إليها، والحقيقة أن هذا الأمل وضع على القضاة مسؤولية كبيرة لم يكن فى استطاعتهم القيام بها وحدهم وأحسوا أن الأمر أكبر من طاقتهم وهم الذين لا يملكون سوى قلم رصاص وممحاة وأوراق لا تحترم الحكومة ما يسطر فيها إذا كان لا يتفق مع رغبتها، وكثيرا ما تلقى به فى سلة المهملات بحجة تعرض الأمن للخطر فى حالة ما إذا تم تنفيذ هذه الأحكام أو القرارات، وكأن رجال القضاء يفتقدون الإحساس بأمن الناس والوطن وهم الذين أسند إليهم القانون المراقبة والتعقيب على قرارات الشرطة فى الحبس والاعتقال. تذكرت ذلك وأنا أرى التفاف النخبة والناس حول الدكتور البرادعى باعتباره المخلِّص بعد أن فشل القضاة فى القيام بهذه المهمة، وقلت لنفسى إنى أخشى على الرجل أن نضع على عاتقه هذه المسؤولية الصعبة دون أن نعاونه على ذلك، هذه المسؤولية التى لا يقوى على القيام بها فرد أو حتى جماعة مهما كان عددها، بل هى مهمة الشعب كله رجاله ونسائه، شيوخه وشبابه، عماله وفلاحيه وموظفيه، لابد أن يشعر كل إنسان فيه أن القضية قضيته وأنها فى حاجة إلى جهده مهما كان هذا الجهد ضعيفا. القائد الذى يقود التغيير لا يملك عصا سحرية ولا خاتم سليمان يسخّر به الجان لتحقيق رغباته ورغبات من حوله ولكن يمتاز عمن حوله أنه أكثرهم إصرارا على الكفاح وصبرا عليه واستعدادا للتضحية من أجله مهما كانت هذه التضحية، وكم من الزعماء خرجوا من السجن إلى كرسى الرئاسة، شفى الله نيلسون مانديلا أحدث زعيم فى العالم حاليا الذى أمضى سبعا وعشرين عاما فى السجن ثم خرج منه إلى كرسى الرئاسة، ولكن كان وراءه شعب مكافح صبور، لم ييأس ولم يستكن حتى تحقق له ما أراد وخرج زعيمه من السجن وتحقق للشعب مراده. الطريق ليس سهلا ولا ممهدا، وقد شبه الدكتور البرادعى من يطلب منه الترشيح فى هذه الظروف بمن يطلب منه قيادة سيارة تالفة فى طريق غير ممهد، فلابد أولا من إصلاح السيارة ثم تمهيد الطريق حتى يمكن للقائد قيادة السيارة والوصول بها إلى الغاية التى يقصدها، وإصلاح السيارة فى حالتنا هو تجميع جميع القوى السياسية الراغبة فى التغيير والإصلاح فى بوتقة واحدة، وتمهيد الطريق يتمثل فى العمل على إيقاظ الناس من غفوتهم وإفهامهم أن العمل لابد أن يكون عملا جماعيا يشترك فيه جميع قوى الشعب القادرة على المشاركة، وكل دور القادة فى هذا الأمر هو أن يكونوا فى مقدمة الخارجين، فلا يمكن أن تدعو إلى مظاهرة من أجل التغيير وأنت قابع فى منزلك وعلى فراشك أو فى مكتبك بل لابد أن يراك الناس فى المقدمة ويسيرون خلفك وهم فى هذه الحالة سيكونون على استعداد لحمايتك والدفاع عنك لأنك رمز لهم، وفى سقوط الرمز سقوط الجميع، لأنه العلم الذى يرفعونه عاليا خفاقا. يعتقد الكثيرون أن مكانة الدكتور البرادعى العالمية وفى المجتمع الدولى كفيلة بحمايته من الاعتداء لأن هذا سيضع الحكومة فى موقف حرج، وهذا نفس ما كان يعتقده البعض من القضاة فى أن الحصانة القضائية تحميهم وتكف عنهم أذى الحكومة، وإذا كانت الحصانة قد كفت عن القضاة بعض أذى الحكومة فإنها لم تكف عن المحيطين بهم هذا الأذى، وتعرض الناس للاعتقال والقمع ولم يستطع القضاة حمايتهم وانفض الناس عنهم وكان مصيرهم كما يعلم الجميع، وهو ما شعرت أثناء لقائى بالدكتور البرادعى أنه يخشاه ويعمل له ألف حساب، وهو على حق تماما فى خشيته، لأنه إذا كان الدكتور البرادعى شخصية عالمية يهتم بها العالم كله فإن ذلك كان أثناء توليه هذا المنصب العالمى، أما الآن وبعد أن ترك هذا المنصب فإن الأضواء لابد أن تخف من حوله وهو الآن يستمد مكانته من تعلق الناس به على أنه مخلِّصهم مما هم فيه من قهر وظلم وفقر، فإذا انفض الناس عنه فإن قوته تزول ويزول معها اهتمام الناس به واهتمام العالم بما يحدث له ويكون مصيره مصير أى معارض فى مصر، وهذا ما جعل الرجل يتردد فى البداية فى إعلان هذا التحالف فهو كما قال لا يخشى عدم التوفيق فى الوصول إلى كرسى الرئاسة لأن هذا أمر محتمل ووارد ولو كان الأمر غير ذلك لما كانت هنا انتخابات، لأن الانتخابات التى نعرف نتيجتها مقدما لا تعتبر انتخابات بل هى مسرحية معروفة النهاية شاهدها الناس قبل ذلك عدة مرات. ولكن ما نخشاه هو أن يتكون هذا التجمع وينفض مثلما انفض غيره دون أن يحقق النتائج المرجوة منه وهنا يكون الفشل الحقيقى لا قدر الله. هذا هو ما يخشاه الرجل، وقد خرجنا من الاجتماع يحدونا جميعا الأمل فى أن يكون هذا التجمع الجديد أكثر حظا من التجمعات السابقة خاصة أنه جمع جميع الاتجاهات فى مصر العاملة فى هذا المجال، وهى البداية الصحيحة لأى عمل والخطوة الأولى فى الاتجاه الصحيح أو كما يسميها الرجل إصلاح السيارة التالفة، وبقى بعد ذلك تمهيد الطريق للسير حتى تتمكن السيارة من الوصول إلى هدفها، وأعتقد أن هذه المرحلة هى المرحلة الصعبة فى المشوار الطويل خاصة أن الطريق الذى نسير فيه ملىء بالعقبات والمطبات التى يمكن أن تعوق السير، بل ولا أشك لحظة فى أن الحكومة ستعمل جاهدة على إتلاف السيارة مرة أخرى كما تفعل فى كل تجمع تستشعر منه الخطر كما تفعل فى النقابات العامة وكما فعلت فى نادى القضاة، وهى محاذير يجب أن تكون أمام أعيننا جميعا فى المرحلة المقبلة. وفى الختام أقول إنى شعرت وأنا خارج من هذا الاجتماع أننا ألقينا حملا ثقيلا على الرجل حاول جاهدا أن يأخذ فرصة للتفكير فى أمر الإعلان عن قبوله ولكنه اضطر فى آخر الأمر للإذعان لرغبة الحاضرين، وقلت لنفسى: ليتهم أعطوا الرجل فرصة أكبر للدراسة والتفكير فى الأمر، ولكن يبدو أن الحماس الشديد قد أخذ الجميع، الشيوخ منهم قبل الشباب وهم معذورون بالطبع فقد طال بهم الأمد فى الضياع والتبرم مما هم فيه ويبحثون عن الخلاص، وقد صارحت الأخ الفاضل الدكتور حسن نافعة بما يجول بخاطرى فشاركنى هذا الإحساس، وهو إحساس لا ينال من مكانة الرجل ولا من نيته الخالصة فى التغيير والإصلاح ولكنه على العكس يدل على أن الرجل لا يسعى إلى المنصب بقدر سعيه إلى العمل من أجل مصر وشعبها ويدل على تقديره لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه والتى لا يستطيع بالطبع القيام بها بمفرده ولابد أن يشاركه الشعب كله فى تحملها. [email protected]