قبل انطلاق مدفع الإفطار بساعات يتأهب ما يقرب من 11 مريضا فى مستشفى الصحة النفسية بالعباسية لأداء أدوارهم، ويتخذ كل منهم موقعه على خشبة مسرح السيدات فى المستشفى لإجراء بروفة اللحظات الأخيرة قبل الاحتفال السنوى للمستشفى، والمقرر أن يبدأ بعد الإفطار بساعتين. وبانطلاق مدفع الإفطار وأذان المغرب، يستعد الحاضرون لتناول وجبة الإفطار.. غالبية الحضور ليسوا من المرضى الدائمين فى المستشفى، فمنهم من يتلقى علاجه خارجيا من خلال مركز الرعاية النهارى ووحدة طب المجتمع، كما حرص على الحضور عدد لا بأس به من كورال أطفال الأوبرا، الذين أصروا على الحضور لمشاركة المرضى احتفالهم قبل بدء الحفل بساعات. وفى الثامنة والنصف مساء، يرتدى الجميع زيا موحدا صمم خصيصا لذلك الاحتفال، حيث حرصت السيدات على ارتداء جلباب أصفر اللون، وحرص الرجال أيضا على ارتداء قميص أبيض وبنطلون أسود، ليكتمل شكل الفرقة، التى استغرقت شهرين للتدريب على يد الفنان مصطفى عبدالسميع، من أجل إعداد فرقة جيدة تستطيع الغناء بشكل جماعى، وتلتزم بتعليمات المايسترو. يفتح الستار على نغمات «عليك صلاة الله.. يا رسول الله»، لحظات وتبدأ إحدى المريضات التى تحسنت حالتها الصحية بالغناء، وتردد من خلفها 6 سيدات أخريات ممن تدربن على ذلك بالتعاون مع أربعة رجال من عنبر الرجال، الذين تميزوا بأصواتهم الجميلة ورغبتهم الدائمة فى المشاركة بالغناء المنفرد والجماعى معا. يواصل العازف أسامة سمير، مدرب موسيقى بمركز التأهيل النفسى بالمستشفى، عزف الأغانى التى تدرب الحاضرون عليها، فما بين «أسمر يا أسمرانى» و«بتسأل ليه عليا» انطلق رواد المسرح من المرضى بالرقص والتصفيق المستمر والمتواصل تعبيرا عن فرحتهم بذلك الشهر الفضيل، فتقول ميرفت إحدى المريضات: «بنحب الغناء جدا.. وبنستنى اليوم ده من زمان كأنه العيد». الفرحة التى ارتسمت على وجوه كثير من المرضى جعلتهم جميعا يرقصون ويرددون الأغانى رغم أنهم ليسوا أعضاء فى الفرقة، فبين حين وآخر تخرج سيدة من الجالسات ترقص وتردد بصوت عال ما تتغناه الفرقة، وتنتهى فرحتها بالتصفيق المتواصل. ينقسم المسرح لنصفين أحدهما يتميز بالثبات فلا حركة فيه غير تلك الكلمات التى تخرج من أعضاء الفرقة، فيقف الرجال مجموعتين كل منهما تلتقى مع الأخرى أمام الميكروفون الذى وضع بين كل اثنين منهم، فيلتزم الرجال بترديد الكلمات دون أدنى حركة منهم ولا تمايل مع تلك الموسيقى الحية التى تدفع بباقى السيدات ليتمايلن يمينا ويسارا مع تلك النغمات فبدت كأنهن يرسمن موجة على خشبة المسرح تنتهى عند إشارة المايسترو ليتوقفن عن الغناء لتبدأ بوسى، أحد أطفال كورال الأوبرا، فى الغناء «بتسأل ليه عليا وتقول وحشاك عنيا». يسدل الستار على خشبة المسرح، ويصفق الحاضرون لفريق المستشفى، وتبدأ الدكتورة حنان الغديرى، رئيس وحدة التأهيل النفسى بالمستشفى، بتقديم الهدايا للمرضى المشاركين فى الحفل، وتقول: «الحفلة مهمة جدا بالنسبة للمرضى المشاركين فيها، سواء بالغناء أو بالحضور فقط، وتوضح أن الغناء والموسيقى والتدريبات المتواصلة للعمل فى ظل الجماعة تعد من أهم ما يتميز به مركز التأهيل النفسى فى علاجه للمرضى الذين تحسنت حالتهم الصحية من الأعراض المرضية العنيفة»، وأضافت: ليس كل المرضى الموجودين بالمستشفى قادرين على المشاركة فى الاحتفال، حيث نسمح فقط للمريض الذى تحسنت حالته الصحية من الأعراض المرضية التى كان يعانى منها، والتأهيل النفسى مرحلة تسبق خروج المريض من المستشفى، وهى تعيده إلى المجتمع بشكل سوى بعدما عزله المرض عن المجتمع. وأكدت مروة إبراهيم، إخصائية اجتماعية فى المستشفى، أن الاستعداد للحفل استغرق شهورا، ولكن ثمرة العمل المتواصل تظهر على خشبة المسرح حين يبدو جميع المشاركين بشكل سوى.