الحصر العددي لنتائج انتخابات النواب، تقارب في عدد الأصوات بين مرشحي بولاق الدكرور باللجنة 63    متحدث التعليم: لا إجراءات جديدة ضد الطلاب غير المسددين للمصروفات    فصل التيار الكهربائي عن 11 منطقة وقرية بكفر الشيخ السبت المقبل    هيئة الأمم المتحدة للمرأة تكرّم رانيا المشاط ضمن القيادات النسائية الملهمة    كامل الوزير: أسعار الطاقة في مصر تنافسية جدًا وأقل من تركيا والهند    السودان: عقوبات شكلية على شبكة مرتزقة كولومبيين .. "واشنطن" مستمرة بحماية أبوظبي رغم انكشاف دورها    إعلام عبري: خطط عسكرية إسرائيلية جاهزة لضرب حزب الله بعد انتهاء المهلة    نشرة الرياضة ½ الليل| عودة كلوب.. قائمة الأهلي.. برشلونة يقترب من حمزة.. والخطيب يدير الملف    تفاصيل سقوط عقار إمبابة.. الأجهزة المختصة تدرس ملابسات الحادث.. فيديو    حرمانها من بناتها.. أحدث شائعة طاردت شيرين عبد الوهاب في 2025    ياسمين عبد العزيز ل منى الشاذلي: أنا زعلانة منك.. والمذيعة: بوقفك علشان بتخربي الدنيا (فيديو)    لحظة دخول ياسمين عبد العزيز ستوديو معكم منى الشاذلي    الجيش الصومالي يحبط محاولة تفجير في مقديشو    انهيار منزل قديم من 3 طوابق دون إصابات بطهطا في سوهاج    تعزيز التعاون الدوائي بين مصر والصين.. مباحثات موسعة لزيادة الاستثمار ونقل التكنولوجيا في قطاع المستلزمات الطبية    جيمي كاراجر يهاجم صلاح ليتصدر التريند.. مدافع ليفربول السابق لم يفز بالدورى الإنجليزى وسجل 10 أهداف منها 7 فى نفسه.. ميسى وصفه ب"حمار".. رونالدو تجاهله على الهواء.. ومورينو: أنت نسيت الكورة.. فيديو    توروب يعلن قائمة الأهلي لمباراة إنبي    أحمد سالم في كلمة أخيرة: متوقع اكتمال تشكيل مجلس النواب الجديد بحلول أوائل يناير    في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. «الحرافيش» درة التاج الأدبي المحفوظي    أيهما الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟.. أمين الفتوى يجيب    محمد رمضان ل جيهان عبد الله: «كلمة ثقة في الله سر نجاحي»    وزير الصحة يتفقد مقر المرصد الإعلامي ويوجه باستخدام الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    دوري المحترفين ..أبو قير يواصل السقوط والترسانة يتعادل أمام طنطا    ميسرة بكور: بعض الدول الأوروبية تتصرف وفق مصالحها الوطنية على حساب المصلحة المشتركة    سيناتور روسي: العلاقات مع أوروبا لم تعد أولوية لترامب    مدينة العبور تجهز «شلتر» للكلاب الحرة لتحصينها وتنفذ حملات للتطعيم ضد السعار    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    إكسترا نيوز: لا شكاوى جوهرية في ثاني أيام التصويت وإقبال منتظم من السيدات    خبير استراتيجى: إسرائيل نفذت أكثر من 500 خرق منذ اتفاقية وقف النار بغزة    الإسماعيلي يكشف تفاصيل إصابة حارسه عبد الله جمال    حسام وإبراهيم حسن يزوران معسكر منتخب مصر مواليد 2007.. صور    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    العدل: معايير النزاهة في الاستحقاقات الانتخابية منارة تضئ طريق الديمقراطية    المصل واللقاح: لقاح الإنفلونزا آمن تماما ويحسن المناعة ولا يضعفها    بعد أسبوع من البحث| اصطياد «تمساح الزوامل»    نصائح شعبة الذهب عند شراء الجنيهات والسبائك .. خاص    «هما كده» أغنية جديدة لمصطفى كامل ويطرحها السبت    لجان خاصة بذوي الإعاقة، تجارة عين شمس تعلن الجاهزية لامتحان 60 ألف طالب    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    الضباب الكثيف يلغي عددا من الرحلات الجوية إلى مطار حلب بشمال سوريا    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    مواعيد مباريات اليوم الخميس 11-12-2025 والقنوات الناقلة.. السعودية تواجه فلسطين والمغرب أمام سوريا    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«آلان أير» الدبلوماسي الأمريكي المخضرم والمتحدث الفارسي الوحيد في تاريخ البيت الأبيض: القوة العسكرية لن تضمن ل إسرائيل البقاء ولا حل إلا ب«السلام» (الحلقة 42)
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 09 - 2025

وسط عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، وفى ظل الصراعات المتزايدة التى تهز منطقة الشرق الأوسط، التى تعيش واقعًا معقدًا، بعد أكثر من عام على حرب الإبادة فى قطاع غزة دونما آفاق واضحة لإنهائها، مع تمدد النزاع إلى جنوب لبنان، ووصول أصدائه إلى اليمن والعراق، ثم إيران، نطرح فى سلسلتنا «مستقبل الشرق الأوسط» مسارات منطقتنا، عبر حوارات مع نخبة من الساسة والمنظرين والمفكرين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقديم رؤاهم مستندين إلى تجارب الماضى ودروس الحاضر، لنستشرف معًا الطريق
نحو المستقبل.
وانطلاقًا من جذور الصراع العربى الإسرائيلى، مرورًا بالتدخلات الإقليمية وصعود بعض القوى الجديدة كالفواعل من غير الدول، وتعقد المشهد العربى، نفتح معًا أبواب نقاش مستنير حول الدروس المستفادة من التاريخ وتأثيرها على مستقبل منطقتنا؛ لطرح رؤى وأفكار لاستشراف الغد والدور الحاسم الذى يمكن أن تلعبه الدول العربية إذا ما أعادت إحياء روابط تاريخية فى محيطها والدفع نحو استقرار مستدام وتحقيق مصالحها.
تنقسم محاور النقاش إلى جزأين، الأول أسئلة سبعة ثابتة، اعتمدناها بناء على طلب كثير من القراء، تتمركز حول مستقبل المنطقة، أما الثانى فيتضمن أسئلة تتجه نحو مساحات تتناسب مع خلفية الضيف صاحب الحوار، كى يضيف لنا أبعادا أخرى حول الرؤية التى تنتهى إليها الحوارات وصولا إلى كيف يمكن أن يكون للمنطقة مشروعها الخاص، بعيدا عن أى مخططات تستهدفها؟.
يعد «آلان أير»، السياسى والدبلوماسى الأمريكى المخضرم، الرجل الأول والوحيد الذى سُمى كمتحدث فارسى للبيت الأبيض فى عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، حينها كان ضمن المجموعة الأمريكية للمفاوضات التاريخية «5+1» فى عام 2015، والتى أدت إلى اتفاق نووى مع طهران تم نقضه فيما بعد بقرار من الرئيس ترامب.
رغم كونه ديمقراطيًا وتقدمى الاتجاه إلا أنه يرى فى إيران توجهات وسلوكيات أدت بالنظام إلى طرف الهاوية، ومع احتمالية تجدد الحرب قد تجد إيران نفسها أمام بدائل محدودة للغاية، من أهمها التوقيع على اتفاق كامل حول برنامجها النووى أو مواجهة المصير المحتوم، وإلى نص الحوار:
■ مصطلح الشرق الأوسط هو تعبير جغرافى استعمارى.. لكنه صار المصطلح السائد للحديث عن المنطقة التى تضم الدول العربية وإيران وتركيا ودولًا أخرى، وعانت المنطقة على مدار التاريخ من صراعات على خلفيات متعددة، تجذرت من مخططات الاستعمار حتى باتت بقعة ملتهبة دائمًا على خريطة العالم.. برأيك كيف ترى واقع المنطقة وأثر التاريخ فى هذا الأمر؟
- المنطقة التى نسميها اليوم «الشرق الأوسط» تشكّلت حدودها وصراعاتها فى جزء كبير منها بفعل تدخلات القوى الكبرى، سواء فى الحقبة الاستعمارية أو بعدها. الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كلٌّ منها لعب أدوارًا حاسمة فى رسم الخرائط وصياغة التوازنات، بدءًا من اتفاقية «سايكس- بيكو» ووصولًا إلى سياسات ما بعد الحرب الباردة. هذه الخلفية جعلت المنطقة أشبه ببقعة ملتهبة دائمًا. هناك نزاعات على أساس دينى وعرقى وقومى، لكن لا يمكن فصلها عن تدخلات القوى الخارجية التى كانت ولا تزال تسعى للحفاظ على نفوذها ومصالحها. التاريخ يثقل حاضر المنطقة، لأن شعوبها مازالت تعيش تداعيات قرن كامل من القرارات المفروضة من الخارج، وهو ما جعلها أكثر هشاشة فى مواجهة الأزمات المتكررة.
■ برز مصطلح «الشرق الأوسط» فى كتابات الأمريكى ألفريد ماهان عام 1902 قبل أن تتحدث كوندوليزا رايس عن «الشرق الأوسط الجديد»، وهو ما يتردد بقوة حاليًّا فى ظل الحرب الإسرائيلية على غزة ودول المنطقة.. كيف ترى ذلك المخطط فى ظل وجود ترامب فى البيت الأبيض؟
- إسرائيل، مثلًا، هى القوة العسكرية الأولى فى الشرق الأوسط الآن، لكن ذلك لن يضمن لها البقاء. القوة العسكرية يمكن أن تحقق أهدافًا محدودة فقط. صحيح أن هجومها العسكرى على إيران كان ناجحًا ومبهرًا من الناحية العسكرية والاستخباراتية، لكنها لم تدمّر معرفة العلماء النوويين الذين مازالوا أحياء داخل إيران، الحرب ستؤدى إلى حرب ولا حل إلا السلام.
والأسوأ أن هذا النجاح العسكرى قد يدفع إيران فعليًا إلى السعى لامتلاك سلاح نووى كردّ ردعى. قبل الهجمات، لم يكن هناك دليل على أن إيران تحاول بناء قنبلة نووية، كانت تريد فقط القدرة على ذلك. لكن الوضع قد تغيّر الآن، وقد ترى إيران أن امتلاك سلاح نووى هو الوسيلة الوحيدة لردع أى هجوم جديد. ولهذا السبب، القوة العسكرية وحدها لا تكفى، والدبلوماسية أقل كلفة وأكثر استدامة، بينما تنفق الولايات المتحدة أكبر ميزانية عسكرية فى العالم، أكبر من ميزانيات 45 دولة تليها مجتمعة، ومع ذلك يظل تأثير القوة العسكرية محدودًا.
■ برأيك ماذا تفعل القوى الإقليمية الكبرى فى المنطقة إزاء هذه المخططات.. وبالتحديد مصر والسعودية بوصفهما الدولتين الكبيرتين فى المنطقة؟
- من الممكن الحديث عن ذلك فى ضوء العمل النووى، معاهدة حظر الانتشار النووى تنص على أن من حق أى دولة امتلاك برنامج نووى إذا التزمت بكل التزاماتها. وهذا منطقى، فدول مثل السعودية أو إيران تقول إنه إذا استطعنا توفير جزء من احتياجاتنا المحلية للطاقة عبر الطاقة النووية، فسوف يتبقى لدينا مزيد من النفط للتصدير والحصول على عائدات مالية. لذلك، ليس هناك ما يمنع من امتلاك برنامج للطاقة النووية، لكن بشرط الالتزام الكامل بالشفافية، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضمان أن يبقى البرنامج سلميًا بالكامل، حتى لا يؤدى ذلك إلى سباق تسلح نووى جديد فى المنطقة.
■ يغيب أى مشروع عربى موحد تجاه ما يُخطط للمنطقة، خاصة مستهدفات التوسع الإسرائيلى التى ظهرت واضحة فى غزة ولبنان وسوريا، والحديث عن نية ضم أراضٍ أخرى على الخريطة العربية هو التوجه الذى ترجمه «ترامب» عند حديثه عن إسرائيل الصغيرة التى يجب أن تتمدد.. كيف يصوغ العرب مشروعهم المواجه لهذه المخططات؟
- أعتقد أن على دول المنطقة وشعوب الشرق الأوسط أن تلعب دورًا أكبر فى تحديد مستقبلها بنفسها. صحيح أن الولايات المتحدة لعبت دورًا ضخمًا فى الشرق الأوسط منذ عقود، بل وحتى قبلها بريطانيا العظمى رسمت الحدود فى اتفاقية «سايكس- بيكو» وغيرها، لكن لا يوجد ما يمنع دول المنطقة من أن تكون أكثر فاعلية فى البحث عن حلول سلمية.
فى هذا السياق، كان مشجعًا جدًا ما حدث قبل نحو عامين من تحسّن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران وإعادة العلاقات الدبلوماسية. ورأينا أيضا التوسط المصرى التاريخى للاتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أعتقد أن دول الخليج وإيران والدول العربية الأوسع يجب أن تلعب دورًا أكبر فى هذا المجال، فى حين يُفضّل أن يكون الدور الأمريكى أصغر. الولايات المتحدة تبيع الأسلحة لدول المنطقة بمليارات الدولارات، وهذه الأسلحة تزيد من احتمالية استخدامها فى النزاعات. إذا تعاونت دول المنطقة أكثر فى الدبلوماسية الإقليمية والعمل المشترك ستقلّ فرص الحروب. ولنعترف بأن الولايات المتحدة لا تفهم الشرق الأوسط كما يجب، فحتى داخل الحكومة الأمريكية هناك قلة فقط من الخبراء الحقيقيين بالمنطقة.
■ على مدار التاريخ تلعب مصر أدوارًا رئيسية فى المنطقة.. كيف يمكن لها أن تمارسها رغم التحديات المحيطة بهذه الأدوار والاستهداف الدائم لها؟
- مصر تملك مقومات تجعلها لاعبًا محوريًا لا يمكن تجاوزه، سواء بحكم موقعها الجغرافى أو ثقلها السكانى والثقافى. ورغم التحديات الكبيرة، يمكن لها أن تعزّز هذا الدور عبر التركيز على الدبلوماسية الإقليمية، والوساطة بين الأطراف المتصارعة، والاعتماد على قوتها الناعمة فى بناء التفاهمات. هذه الأدوات تظل أكثر فاعلية من الانخراط فى صراعات عسكرية تستنزف الجميع، رأينا ذلك أيضًا فى الاتفاق الأخير برعاية مصر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
■ كيف تستفيد المنطقة العربية من تجاذبات القوى الكبرى وأحاديث التعددية القطبية العالمية؟.. وكيف تلعب دورًا لصالحها فى هذا التنافس الدولى ولا تكون مقدراتها فى يد قوة واحدة أضرت بها واستنزفت ثرواتها طوال عقود؟
- التعددية القطبية تمنح العرب فرصة لتوسيع خياراتهم وعدم الارتهان لقوة واحدة. إذا أحسنت دول المنطقة استثمار هذا الواقع عبر تنويع شراكاتها الاقتصادية والسياسية، يمكنها أن توازن بين القوى الكبرى وتوظف التنافس لصالح مشاريع التنمية والاستقرار. المفتاح هنا هو العمل العربى المشترك وتحديد أولويات واضحة، بدلًا من ترك مصير المنطقة رهنًا بمصالح الآخرين.
■ لو قدر لك أن ترسم صورة المستقبل لهذه المنطقة فى ظل الصراعات الحالية والمخاطر المحيطة بها.. كيف ترى هذه السيناريوهات تفصيلًا؟
- هناك مثل فارسى جميل يقول: «يمكن لعشرة دراويش أن يقفوا على سجادة واحدة، لكن مملكة واحدة لا تكفى لملكين» وهذا يلخّص جوهر المشكلة فى الشرق الأوسط: قوى متعدّدة، طموحات متصادمة، وكل طرف يريد الهيمنة بمفرده. هذه العقلية تجعل من الصعب الوصول إلى حلول وسط أو تسويات حقيقية.
ومع ذلك نقول إن بناء الثقة ضرورى، مع حلقة معقّدة من العنف وانعدام الثقة. فالإسرائيليون يقولون إنهم يواجهون تهديدات وجودية، ليس فقط من إيران، بل أيضًا من جماعات مسلّحة فى غزة ولبنان، وإن ما يفعلونه هو دفاع عن النفس. لكن فى الوقت نفسه، ما يحدث على الأرض، خاصة فى غزة، يولّد المزيد من الغضب لدى العرب ويُعمّق الانقسام، ما يجعل من الصعب الوصول إلى أى تسوية سياسية شاملة.
ومع وجود كراهية متجذرة بالفعل تظهر فى التصريحات، فلا شىء مما حدث فى العامين الأخيرين جعل المنطقة أكثر استقرارًا، بل على العكس، التوترات فى المنطقة تتصاعد والأوضاع تصبح أكثر تعقيدًا وخطورة.
■ شاركتَ فى اتفاق 2015، ما القضايا التى طرحتها إيران بخصوص برنامجها النووى؟ وما المشاكل التى تحدث عنها الإيرانيون؟
- أولًا، يجب أن نقرّ بأن إيران فى الحقيقة لا تحتاج برنامجها النووى بالشكل الذى بنته به. فإيران تحصل على نحو 1٪ فقط من طاقتها من البرنامج النووى، ومع ذلك أنفقت مليارات الدولارات عليه. من الناحية الاقتصادية، من الصعب تبرير هذا البرنامج، ويبدو أن السبب الأساسى هو أن إيران تريد امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووى إذا قررت ذلك يومًا ما. الآن، المشكلة الرئيسية فى المفاوضات هى أن إيران تصرّ على حقها فى تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، معتبرة أن هذا حق تكفله لها معاهدة حظر الانتشار النووى. الولايات المتحدة تقول إن المعاهدة لا تعطى مثل هذا الحق، لكنها فى اتفاق 2015 وافقت على التخصيب داخل إيران. إدارة ترامب بعد ذلك أصرت على منع أى تخصيب داخل إيران فى أى مفاوضات جديدة. هذا هو جوهر الخلاف: إيران تريد التخصيب داخل أراضيها، والولايات المتحدة ترفض ذلك. وقبل الهجمات الإسرائيلية كان هذا المأزق قائمًا، وحتى الآن لم يُظهر أى طرف استعداده لتغيير موقفه، ما يعنى أنه حتى لو عادت المفاوضات، فالثقة معدومة والمواقف متباعدة جدًا.
■ كثير من العرب يتحدثون عن أن الملف النووى يُستخدم كذريعة لاحتلال الدول العربية أو دول الشرق الأوسط، كما حدث فى العراق مثلًا. ويقول البعض إن أمريكا وإسرائيل تريدان تكرار ما حدث فى العراق مع إيران.. ما رأيك؟
- لا يمكن مقارنة البرنامج النووى الإيرانى بالبرنامج النووى العراقى. العراق كان لديه موقع واحد فقط قصفته إسرائيل، ولم يكن برنامجه النووى متطورًا على الإطلاق. أما إيران فلديها برنامج نووى واسع وكبير ومتطور ومنتشر فى عدة مواقع. صحيح أن الإيرانيين يقولون إن الولايات المتحدة تستخدم برنامجهم النووى ذريعة، كما تستخدم قضايا حقوق الإنسان وغيرها للضغط على إيران لأنها لا تحب الجمهورية الإسلامية وتريد التخلص منها، لكنى لا أعتقد أن هذا صحيح. ما أؤمن به هو أن إيران لم تتعاون بالكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لدرجة أن نصف ميزانية التفتيش لدى الوكالة تقريبًا مخصص لمراقبة إيران وحدها.
■ لكن هناك من يقول إن أمريكا توظف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لخدمة مصالحها السياسية ضد إيران.. ما تعليقك؟
- لا أعتقد ذلك. الحقيقة أن إيران لم تفِ بالتزاماتها كعضو فى معاهدة حظر الانتشار النووى «NPT». ببساطة، لم تتعاون بالكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولهذا السبب أعلنت الوكالة مرتين أن إيران غير ملتزمة بتعهداتها كعضو فى المعاهدة. هذا ليس سياسيًا ولا هو استهدافًا أمريكيًا عبر الوكالة، بل هو حقيقة موضوعية. الوكالة الدولية للطاقة الذرية هيئة محايدة نسبيًا، ومهمتها التأكد من التزام جميع الأعضاء بتعهداتهم. نعم، يمكننا النقاش مثلًا حول أن إسرائيل ليست عضوًا فى المعاهدة ولا تلزمها هذه الالتزامات، لكن إيران عضو، وطالما هى كذلك، فعليها الشفافية، وهو ما لم يتحقق. مدير الوكالة نفسه قال قبل بدء الهجمات إنه لم يعد قادرًا على تأكيد أن البرنامج النووى الإيرانى سلمى بالكامل، ليس لأنه يملك دليلًا على عكس ذلك، بل لأن غياب الشفافية يمنع التأكد من هذا الأمر.
■ هل لديك أى معلومات عن منشآت فوردو أو نطنز أو غيرهما من المنشآت النووية فى إيران؟
- نعم، لدىَّ معرفة واسعة ببرنامج إيران النووى. صحيح أننى لم أزر إيران من قبل، لكننى أتحدث اللغة، وعملت على هذا الملف لأكثر من 40 عامًا قبل تقاعدى. كما كنت جزءًا من فريق التفاوض مع إيران بين عامى 2010 و2015، لذلك أعرف الكثير عن منشآتها وبرنامجها النووى.
■ هل كانت إيران تريد بناء سلاح نووى، أم كما تقول برنامجها مخصص للأغراض
السلمية فقط؟
- بحسب تقييم مجتمع الاستخبارات الأمريكى- وهذا غير سرى- فإن إيران كانت تمتلك برنامجًا للأسلحة النووية حتى عام 2003 تقريبًا، ثم أوقفت الجانب العسكرى من البرنامج لأسباب متعددة، لكنها واصلت برنامجها النووى المدنى. مع ذلك، هناك أجزاء كثيرة من هذا البرنامج لا تبدو منطقية إذا كان مدنيًا بالكامل. مثلًا، إيران قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60٪، وهذه نسبة مرتفعة للغاية لا يحتاجها أى برنامج نووى مدنى. ربما فعلت ذلك للفت انتباه العالم ودفعه للتفاوض معها، وربما كانت تهدف للوصول إلى يورانيوم صالح لصناعة سلاح نووى.
■ برأيك، إذا عادت المفاوضات مع إدارة «ترامب»، ما الذى قد توافق عليه إيران وما الذى ستعارضه فى أى اتفاق جديد؟
- أولًا، لا نعرف هل سيكون هناك اتفاق جديد أصلًا. الرئيس ترامب قال مرارًا إنه دمّر البرنامج النووى الإيرانى بالكامل، وقد يرى أنه لم تعد هناك حاجة إلى أى اتفاق. هو قال إن الطرفين يمكن أن يلتقيا، وإذا لم يُوقّع اتفاق فلا مشكلة فى ذلك. لذلك، من غير الواضح إلى أى مدى ستدفع الولايات المتحدة فعليًا باتجاه اتفاق جديد. لكن إذا حدثت مفاوضات، فمن المرجّح أن تصرّ واشنطن مجددًا على منع أى تخصيب لليورانيوم داخل إيران. يبدو أن التفكير الأمريكى هو أن هذه الحرب وما خلّفته من دمار فى إيران سيجعل طهران أكثر مرونة ويجبرها على قبول شروط واشنطن. لكن فى الواقع، العكس قد يحدث تمامًا، فالهجمات الإسرائيلية والأمريكية ربما تجعل إيران أقل استعدادًا للتنازل، فى حين قد تتجه واشنطن إلى طرح شروط أشدّ صرامة وأكثر تشددًا ضد إيران.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.