أصبحت رواندا ثالث دولة إفريقية توافق على قبول المرحلين من الولاياتالمتحدة بموجب خطط إدارة ترامب لاستقطاب عديد من الدول الإفريقية لقبول المهاجرين المرحَّلين من واشنطن الذين رفضت بلدانهم الأصلية استقبالهم. وتُشير هذه الخطوة إلى فصل جديد من انخراط رواندا المتزايد فى ترتيبات الهجرة واللاجئين العالمية، ففى السنوات الأخيرة، رسّخت رواندا مكانتها كشريك راغب فى استضافة المهاجرين وطالبى اللجوء الذين تُبعدهم الدول الغنية. كما يأتى هذا الاتفاق فى وقت تواجه فيه الولاياتالمتحدة صعوبات متزايدة فى إدارة أعداد المهاجرين لديها. وتسعى إدارة ترامب جاهدةً لإيجاد بدائل لمراكز الاحتجاز المكتظة التى تأوى آلاف المهاجرين الذين ينتظرون الترحيل. فى هذا السياق، تناقش هذه الورقة مضمون وسياق اتفاق واشنطن مع كيجالى، فى ظل السياسة الأوسع لترامب لاستقطاب مزيد من الدول الإفريقية لقبول المرحلين من دولة ثالثة. أولًا: مضمون الاتفاقية وخلفيتها ■ مضمون الاتفاقية بين واشنطن وكيجالى توصلت رواندا والولاياتالمتحدة إلى اتفاق يسمح لواشنطن بترحيل ما يصل إلى 250 مهاجرًا من الولاياتالمتحدة إلى كيجالى، ويمنح الاتفاق رواندا صلاحية مراجعة كل حالة على حدة والموافقة عليها قبل إعادة توطينها. وبموجب الاتفاق لن تقبل كيجالى إلا المرحّلين الذين لا توجد عليهم أى قضايا جنائية عالقة، وكذلك لن تقبل أى شخص مُدان بالاعتداء الجنسى على الأطفال. وفيما يخص المرحلين المقبولين، ستقدم لهم رواندا رعاية صحية وتدريبات ودعمًا فى مجال السكن للراغبين فى بدء حياتهم فى رواندا، ولهم حرية المغادرة إذا اختاروا ذلك. ويسمح الاتفاق للحكومتين بزيادة عدد المرحلين إلى ما يزيد على 250 شخصًا، باتفاق متبادل. ولم يتم تحديد جدول زمنى لوصول المُرحَّلين إلى رواندا، أو ما إذا كانوا سيصلون دفعةً واحدةً أم على دفعات. كما أن الشروط الاقتصادية للاتفاق بين الولاياتالمتحدة ورواندا لم يتم الكشف عنها حتى الآن. وتشير التقارير إلى أن واشنطن قدمت بالفعل قائمة بعشرة أفراد للتدقيق الأولى. ■ الخلفية: فصل رواندى جديدفى ترتيبات الهجرة العالمية لا يمثل الاتفاق مع الولاياتالمتحدة سابقة فى هذا المجال بالنسبة لرواندا، وإنما هو فصل جديد من انخراط رواندا المتزايد فى ترتيبات الهجرة واللاجئين العالمية؛ حيث سبق أن وقعت كيجالى اتفاقية مع لندن عام 2022 فى ظل حكومة رئيس الوزراء البريطانى آنذاك «بوريس جونسون»، أُلغيت فيما بعد. كما شاركت رواندا سابقًا فى صفقة سرية مع إسرائيل – فيما يعرف ب «برنامج الترحيل الطوعى السرى»- لقبول طالبى اللجوء الأفارقة الذين تم ترحيلهم بين عامى 2013 و2018، وألغت إسرائيل الصفقة فى نهاية المطاف بعد أن واجهت انتقادات شديدة فى الداخل والخارج. بالإضافة إلى اتفاق آخر مع مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الإفريقى لنقل طالبى اللجوء من ليبيا (آلية العبور الطارئة)، استقبلت بموجبه رواندا حوالى 2760 مهاجرًا غير شرعى بين عامى 2019 و2025 وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فى رواندا. ثانيًا: السياق العام للاتفاقية ■ سياسة أمريكية أوسع تجاه الهجرة تعكس الاتفاقية الأخيرة مع رواندا استراتيجية أوسع نطاقًا فى سياسة الهجرة التى تنتهجها إدارة ترامب، والتى تسعى إلى ترحيل المهاجرين إلى دولة ثالثة كبديل عن الترحيل إلى بلدانهم الأصلية أو الاحتجاز لفترات طويلة فى الولاياتالمتحدة. فى هذا السياق، توصلت واشنطن فى وقت سابق إلى عدة اتفاقات مماثلة مع عدد من الدول التى قبلت بالفعل استقبال مرحلين ليسوا من مواطنيها؛ مثل: كوستاريكا وبنما والسلفادور والمكسيك وجواتيمالا. فى غضون ذلك، على الرغم من التحديات القانونية التى قد تواجه ترحيل اللاجئين إلى دول ثالثة، سعت إدارة ترامب للتحايل على القيود القانونية؛ حيث فعّل ترامب قانون «الأعداء الأجانب» لعام 1798 فى شهر مارس الماضى، بالإضافة إلى حكم أصدرته المحكمة العليا الأمريكية فى يوليو 2025، يعطى حكومة ترامب الحق فى ترحيل 8 مجرمين إلى جنوب السودان؛ مما مهّد الطريق القانونى لإرسال المرحلين إلى بلدان أخرى غير بلدانهم. ■ دوافع رواندية متعددة لم تكن الاعتبارات الإنسانية، على أهميتها، السبب الرئيسى فى قبول رواندا صفقة إعادة التوطين واستقبال طالبى اللجوء الذين سيتم إرسالهم من الولاياتالمتحدة؛ حيث كانت الاعتبارات الاقتصادية والسياسية حاضرة بقوة فى هذا الملف، وذلك على النحو التالى: دوافع إنسانية: بررت رواندا قبول المرحلين من الولاياتالمتحدة بأنه يتماشى مع قيمها فى التضامن وإعادة الإدماج، مستندة إلى تاريخها فى مواجهة النزوح. دوافع اقتصادية: بموجب الاتفاق، ستتلقى رواندا تمويلًا من الولاياتالمتحدة على شكل منحة مالية، لم يتم الإفصاح عن قيمتها بعد. كما تطمح رواندا فى أن تنطوى شراكة الهجرة مع الولاياتالمتحدة على تعاون أوسع مع كيجالى فى عديد من القضايا المشتركة، فضلًا عن جذب الاستثمارات الأمريكية لتعزيز تنمية رواندا، بما يفيد المهاجرين والمجتمعات المضيفة على حد سواء. دوافع سياسية: يمكن القول إن الاعتبارات السياسية تمثل عاملًا رئيسيًا فى قبول رواندا لمثل هذه الاتفاقيات؛ حيث يسعى الرئيس الرواندى «بول كاجامى» من خلال سياسته المنفتحة على اللاجئين إلى تحسين صورة رواندا فى المجتمع الدولى، ومحو الانطباعات السيئة عنها نتيجة تاريخها الدموى فى فترة التسعينيات، أثناء أحداث الإبادة الجماعية بين قبيلتى الهوتو والتوتسى. بالإضافة لذلك، قد يتطلع الرئيس كاجامى إلى الاستفادة من هذه الاتفاقية كتصويت على الثقة فى سجله فى مجال حقوق الإنسان، وتخفيف الانتقادات الموجهة لحكومته. تعزيز جهود السلام مع الكونغو: من جهة أخرى، لا يمكن قراءة هذا الاتفاق بعيدًا عن اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية الذى يتم الآن بوساطة أمريكية. حيث يأتى اتفاق الهجرة ضمن الاتفاقيات التى تعقدها الولاياتالمتحدة مع الطرفين لربطهما بمصالح اقتصادية مع واشنطن؛ مما يعزز جهود السلام فى المنطقة. ثالثًا: ردود أفعال إفريقية متباينة رواندا ليست الدولة الإفريقية الأولى التى تدخل فى اتفاقية مع واشنطن لاستقبال المرحلين من دولة ثالثة؛ فقد سبقتها جنوب السودان وإسواتينى فى اتفاقيات مشابهة، كما عرضت إدارة ترامب الأمر على ما يزيد على 15 دولة إفريقية أخرى كان لها ردود أفعال متباينة حيال الأمر كما يلى: جنوب السودان: كانت البداية من جنوب السودان، عندما رحلت إدارة ترامب مواطنًا كونغوليًا بالخطأ مع 24 جنوب سودانى آخرين إلى جوبا، فى شهر مارس الماضى، ورفضت حكومة جنوب السودان فى البداية استلامه، ثم رضخت بعد ذلك لضغوط الإدارة الأمريكية، ورحبت باستقبال المواطن الكونغولى فى أبريل 2025. ومنذ ذلك الحين، وسعت إدارة ترامب نطاق هذه السياسة لتشمل إفريقيا، وتم ترحيل ثمانية مواطنين من جنسيات مختلفة إلى جوبا فى يوليو، بموجب اتفاق ثنائى. إيسواتينى: استقبلت إيسواتينى - وهى دولة تقع داخل دولة جنوب إفريقيا وكانت تسمى سابقًا سوازيلاند- خمسة مجرمين من جنسيات مختلفة رفضت بلدانهم الأصلية إعادتهم. وقوبل قرار إيسواتينى باستياء شعبى واسع النطاق بسبب المخاطر المتصورة. بالإضافة إلى ضجة مماثلة فى جنوب إفريقيا التى تعتبر أن عمليات الترحيل إلى إيسواتينى تُعد استفزازًا من قبل الولاياتالمتحدة وتهديدًا مباشرًا لأمنها القومى. مما دفع حكومة إيسواتينى إلى القول إن المرحلين لن يبقوا فى إسواتينى لكنهم سيُحتجزون فى الحبس الانفرادى حتى عودتهم إلى أوطانهم. دول غرب إفريقيا (السنغال وموريتانيا وغينيا بيساو وليبيريا والجابون): استضاف ترامب قمةً مصغّرةً فى البيت الأبيض، فى يوليو الماضى، مع قادة دول السنغال وموريتانيا وغينيا بيساو وليبيريا والجابون، ناقش ترامب مع قادة هذه الدول سياسة الترحيل إلى بلد ثالث، موضحًا أن عقد صفقات لقبول المُرحّلين الأمريكيين كان الدافع الرئيسى وراء هذا الاجتماع. ولكن لم يتم تأكيد وجود اتفاق فعلى مع أى من الدول الخمسة حتى الآن. نيجيريا: أعلنت الحكومة النيجيرية رفضها قبول المرحلين الفنزويليين أو السجناء من دولة ثالثة من الولاياتالمتحدة، وفقًا لما أعلنه وزير الخارجية النيجيرى «يوسف توغار»، موضحًا إن نيجيريا لديها الكثير من المشاكل الاقتصادية والسياسية. وقد يفسر هذا الموقف لماذا يتجه ترامب إلى دول أصغر، وربما أكثر مرونة، لمحاولة إقناعها بقبول طالبى اللجوء أو المُرحَّلين. ومع ذلك يظل هناك تساؤل حول مدى قدرة نيجيريا على الصمود أمام الضغوط الأمريكية. دول إفريقية أخرى: تشير التقارير إلى أن الولاياتالمتحدة تستهدف إرسال المهاجرين إلى ما يصل إلى 15 دولة إفريقية، وتتمثل أبرز الدول الإفريقية الأخرى التى تم الإعلان عنها فى: بنين، وليبيا، وأوغندا. لكن لا توجد تفاصيل معلنة عن هذه الاتفاقيات حتى الآن. رابعًا: أدوات الضغط الأمريكية.. سياسة العصا والجزرة تستخدم الولاياتالمتحدة فى عهد ترامب نهج العصا والجزرة لإجبار الدول على الامتثال للأشياء التى تريدها، بما فى ذلك؛ قبول ترحيل اللاجئين من دول ثالثة الذين ترغب واشنطن فى إبعادهم عن الولاياتالمتحدة. وقد تعددت أدوات الضغط التى استخدمتها واشنطن لهذا الغرض، ويتمثل أبرزها فى: ■ قيود على التأشيرات تمثل القيود على التأشيرات إحدى أبرز أدوات الضغط التى يستخدمها ترامب للضغط على الدول لقبول المرحلين. وفى هذا السياق، أكد وزير الخارجية النيجيرى أن القيود الأخيرة على التأشيرات التى فرضتها الولاياتالمتحدة على المسافرين النيجيريين لم تكن متبادلة، بل كانت تكتيك ضغط على نيجيريا لقبول المهاجرين من دولة ثالثة. ■ إلغاء جميع التأشيرات لم تتوقف إدارة ترامب عند فرض القيود على التأشيرات، بل اتخذت خطوات أكثر تصعيدًا تتمثل فى إلغاء جميع تأشيرات مواطنى دول معينة للضغط على هذه الدول لقبول المرحلين من واشنطن. على سبيل المثال؛ أعلن وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو يوم 5 إبريل أن الولاياتالمتحدة ستلغى على الفور التأشيرات الصادرة لجميع حاملى جوازات السفر من جنوب السودان، بعد رفضها استلام المواطن الكونغولى. ■ التعريفات الجمركية استخدمت إدارة ترامب كذلك التعريفات الجمركية كوسيلة للضغط على الدول لتحقيق أهداف واشنطن، بما فى ذلك استقبال المرحلين من دولة ثالثة. ومع اقتراب موعد مراجعة قانون النمو والفرص فى إفريقيا (AGOA)، تثار مخاوف من أن يستغل ترامب الفرصة لممارسة مزيد من الضغط على الدول الأفريقية لقبول المرحلين من واشنطن مقابل الاحتفاظ بوضعهم داخل «أجوا»، إذا ما قررت إدارة ترامب البقاء عليه أصلًا لفترة تالية. ختامًا، يرى البعض أن الاتفاقية بين رواندا والولاياتالمتحدة تُمثل خطوةً إلى الأمام فى التعاون العالمى بشأن الهجرة، بينما يرى آخرون أنها صورة أخرى من عدم العدالة التى تمارسها الدول الكبرى على الدول الضعيفة، التى تصدّر إليها المسؤولية مستغلة احتياجها، بدلًا من مساعدتها فى تحقيق التنمية. ومع ذلك، بالرغم من المخاطر الأمنية المتعلقة بهذه الاتفاقيات، قد تتجه عديد من الدول الإفريقية الأخرى، التى تعانى ظروفا اقتصادية صعبة، إلى اتباع نهج مماثل لرواندا تحت ضغط من واشنطن. ينشر بالتعاون مع المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية