بعد 24 ساعة، تنتهى علاقتى بمجلس الشيوخ المصرى: حيث تُرفع الجلسة الختامية لدور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعى الأول، وتُطوى صفحة من صفحات حياتى العامة والسياسية، بعد خمس سنوات من العمل البرلمانى (2020–2025)، تبعت أربع سنوات من العمل التنفيذى (مستشارًا ومتحدثًا رسميًا لوزارة التخطيط)، لتُشكل السنوات التسع رقمًا صلبًا مهمًا فى حياة قصيرة. دونت فى كتابى الأول (رأيت العالم من الجانبين) ما شاهدته فى التنفيذ، وإن كان لى عُمر سأدون ما عايشته فى التشريع، فى كتاب جديد يحمل عنوان (تحت القبة شيخ). كنت نائبًا مستقلًا فى تكتل «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين»، وهو الكيان الذى فتح لى الباب، ووقف فى ظهرى، ودعمنى وساندنى، وأتاح لى فرصة المشاركة، وقدم لى أدوات التأثير. بفضل هذا كله، حضرت 366 جلسة عامة واجتماع لجنة نوعية. وقدمت 77 أداة برلمانية، لدفع العمل بالملف الثقافى، بين دراسة برلمانية ومناقشة عامة ومقترح برغبة. وقدمت تحت القبة 27 كلمة، فيما أفهم من موضوعات. وغير ذلك الكثير من المشاركات والتفاعلات، داخل مصر وخارجها. لا أكتب هذه السطور لوداع المجلس، فهو مجرد مرحلة، تأتى بعدها خطوات أخرى، لكننى أهدى «باقة ورد» رمزية إلى التنسيقية نفسها، البيت الكبير الذى سعدت بالتواجد فيه، وأحب أن أعتقد أننى كنت حتى الآن ضيفًا خفيفًا، لم أثقل على أحد، ولم أحرج أحدا.. باقة الورد، هى سبع زهرات رمزية، أرى فيها صفات التنسيقية كما عرفتها، وهى كما يلى: 1- الجاردينيا: رمز النقاء والوضوح، وهى زهرة بيضاء ناصعة، لا تصرخ بجمالها بل تهمس به، وتُشبه كثيرًا الطابع العام للتنسيقية، التى تملك، فى صمت، الكثير من الأوراق النظيفة والنوايا الصافية. 2- الورد البلدى: رمز الأصالة والصمود، وهو وردنا المصرى الذى يتحمل قسوة الطقس والبيئة. كذلك نشأت التنسيقية فى مناخ سياسى صعب، لكنها لم تستسلم، وواصلت بناء وجودها خطوة بخطوة. 3- التوليب: رمز التنوع والاختلاف الجميل، فكل زهرة منه تختلف عن الأخرى، مثلما تتنوع مكونات التنسيقية من شباب ينتمون لاتجاهات متعددة، لكنهم اجتمعوا على هدف واحد وهو الوطن. 4- المرجريت: رمز البساطة التى تُنتج أثرًا، وهى زهرة عادية المظهر لكنها مريحة للنظر، كأعضاء التنسيقية الذين يشتغلون بجد، دون بهرجة، ويصنعون الأثر من مواقعهم، كل فى مكانه. 5- عباد الشمس: صاحبة الميل الفطرى نحو الضوء، والتى لا تبحث أبدًا عن الظل، بل تتبع الشمس، كما تنحو التنسيقية نحو المصلحة الوطنية، ولا تلتفت كثيرًا إلى الصراعات الجانبية. 6- الهيبسكس: رمز الحيوية وسرعة الاستجابة، وهى زهرة لا تنتظر طويلًا لتزهر، بل تُفاجئك بجمالها فى الوقت المناسب، هكذا رأيت التنسيقية فى كثير من المواقف، تسبق الكثيرين بأفعالها. 7- الزهرة البرية: رمز الاعتماد على الذات، وهى لا تُزرع فى أصص ولا تحتاج رعاية يومية، بل تنمو حيث تجد فسحة. والتنسيقية كذلك، تكبر باجتهاد أعضائها ومثابرتهم أينما وجدوا. هذه الباقة الرمزية لا تعنى أن التنسيقية خالية من الأشواك، أو أن أوراقها جميعها خضراء نضرة لا تسقط. هذا غير صحيح. فهى، فى نهاية المطاف، قطاعًا عرضيًا من المجتمع المصرى، يتمتع بكل صفاته الجيدة، ويعانى من كل اختلالاته السلبية. لكن ما يُميزها حقًا هو أنها تملك القدرة على تصحيح المسار، ولديها رغبة دائمة فى تقديم الأفضل، وهى ميزة لا تتوفر إلا فى الكيانات الحيّة التى تعرف كيف تُراجع نفسها. تشرفت بالتواجد فى هذا الكيان، وأظن أننى شرفته كذلك. وسعدت بالمشاركة فى تجربة وطنية تحاول أن تُسهم فى تشكيل نخبة جديدة تعبر بالجمهورية المصرية فى مرحلة مهمة وحاسمة من تاريخها. هذه باقتى، أقدّمها فى نهاية فصل، وبداية مرحلة، وهى كلمات عرفان، لا وداع. فالعلاقة الحقيقية بالكيانات النبيلة لا تنتهى بزوال المقاعد، بل تبدأ من نية الاستمرار فى خدمة الوطن، من أى موقع.. هذه باقة ورد، تُهدى عبيرها لكل من آمن بفكرة، وخدم وطنًا، وسعى لصوتٍ عاقل وسط الضجيج.. شكرًا تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وللورد بقيّة.